بأي حق يستأثر طرف واحد في م. ت.ف في تقرير اتجاهات الصرف، ولماذا التمييز بين احتياجات الفصائل واستحقاقاتها؟* لماذا التأخر في دفع مخصصات عائلات الشهداء، ومن المسؤول عن التأخر في اعتماد شهداء قضوا منذ أكثر من 6 سنوات، ولماذا التمييز بين شهيد وآخر على أساس فصائلي.
* أين هي مستحقات الشباب في موازنة م.ت.ف ولماذا صار «التجييش» هو السبيل الوحيد للقضاء على البطالة في صفوف الشباب؟
* أين هي موازنات الاتحادات الشعبية، وأين هي مؤسساتها التربوية والاجتماعية والإنتاجية والتعاونية ولماذا تحولت إلى مجرد واجهات سياسية؟
تصاعدت مؤخراً في لبنان الدعوات إلى تصحيح العلاقات الفلسطينية ـ الفلسطينية، إن على مستوى الفصائل نفسها، أو على مستوى العلاقة بين قيادة م.ت.ف ومؤسسات المنظمة في لبنان من جهة، وبين الحالة الشعبية في المخيمات وفي خارجها.
وقال مراقبون، إن الحالة التي يعيشها الوضع الفلسطيني في لبنان، والاستحقاقات المقبلة عليه باتت تتطلب تطوير صيغة العلاقات الوطنية، بما فيها صيغة اتخاذ القرار السياسي، إن في العلاقة مع الدولة اللبنانية أو في العلاقة مع القوى والأحزاب السياسية على اختلاف اتجاهاتها. وكذلك صيغة اتخاذ القرار المالي، بما يعيد تسخير الإمكانيات والموازنات، وفقاً لتوجهات وآليات وأسس متفق عليها، تنحي جانباً سياسة التفرد والاستفراد والاستئثار، وترسم الأولويات والاحتياجات الملحة، وتستبعد الكماليات، بما يضمن عدالة في العلاقات السياسية، وعدالة في توزيع الخدمات على المخيمات، وبما يضمن كذلك تعزيز إرادة الصمود لدى الشارع الفلسطيني.
ويقول المراقبون إن جهوداً مطلوب تسخيرها لمحاربة رياح اليأس التي بدأت تهب على بعض الشرائح نتيجة لمعاناتها الاجتماعية والحياتية المتفاقمة، ومعالجة ومكافحة البؤس المنتشر في صفوف العديد من الشرائح الفقيرة في المخيمات وخارجها. كذلك مطلوب تسخير جهود صادقة للاهتمام بعنصر الشباب، الذي يتسرب بأعداد مذهلة نحو الهجرة إلى الخارج، بعدما فقد الأمل في بناء مستقبل له في ظل الحالة السائدة في لبنان. أضف إلى ذلك ضرورة الاهتمام بشريحة من الفلسطينيين قدمت ضريبة الدم دفاعاً عن شعبها وقضيتها هم عائلات الشهداء، والجرحى، والمعوقين، والمفقودين.
غياب الأساس التنظيمي
ويضيف المراقبون أن العلاقات القائمة على صعيد القيادة السياسية في م.ت.ف في لبنان لا تستند إلى أساس تنظيمي واضح المعالم، يضبط هذه العلاقة وصيغة اتخاذ القرار فيها، ويجعل من هذه القيادة مرجعية حقيقية، مسؤولة بشكل فعلي عن قضايا شعبها، إن في تمثيله أمام الدولة، أو أمام الأحزاب والقوى السياسية أو أمام وكالة الغوث ومجموع المنظمات الأهلية الناشطة في المخيمات والتجمعات السكنية الفلسطينية الأخرى.
كما أن هذه القيادة لا تتمتع بأية صلاحيات تتيح لها توجيه الموازنات المالية لمنظمة التحرير بشكل عادل، و مثمر، بعيداً عن كل مظاهر الهدر، وفي إطار ترشيدي، يرسم الأولويات ويلتزم بها.
ووفقاً للمصادر المطلعة فإن موازنة قيادة م.ت.ف في لبنان تبلغ شهرياً مليون ونصف المليون دولار (2.5 مليون دولار) يستأثر طرف واحد في الحالة الفلسطينية ـ هو فتح ـ في توزيع بنودها، ورسم آليات صرفها، دون أن يتاح للقيادة السياسية للمنظمة في لبنان من الإطلالة عليها، أو حتى التعرف على اتجاهات الصرف فيها، بموجب أية بنود، ووفقاً لأية إستراتيجيات سياسية وما هي المبالغ التي تصرف هنا وهناك، ومن هي الجهة أو من هم الأشخاص المعنيون باستصدار، وإصدار قرارات الصرف، وغير ذلك من الأمور التي تبدو في ظاهرها مالية بشكل بحت، لكنها في مضمونها، سياسية من الطراز الأول، وتعكس طبيعة العلاقات المختلة في الوضع الفلسطيني، والقائمة على التفرد والاستفراد، وتهميش الآخرين وحجب المعلومات عنهم.
تمييز في الملاكات العسكرية
* فالموازنة المرصودة لتغطية نفقات الملاكات العسكرية المفرغة في المخيمات تذهب في معظمها إلى فتح، بينما لا يصرف للفصائل الأخرى سوى مبالغ هزيلة لا تغطي احتياجات الحد الأدنى لديها، علماً أن تجربة نهر البارد، وبعض التجارب الأخرى، تفترض تعزيز الملاكات العسكرية في المخيمات، لضمان أمنها الداخلي، ومنع أية اختراقات تكلف الحالة الفلسطينية غالياً. ويبدو أن الجهات المعنية ترفض الاتعاظ من تجربة البارد وما ألحقته بسكان المخيم من كوارث، وما زالت تمارس سياسة التمييز والاستئثار.
* حتى هذه الموازنة التي تصرف من صندوق م.ت.ف للفصائل لتغطية نفقات ملاكاتها العسكرية تظل عرضة للتناقص أو التأخر في الصرف أو حتى للاستنساب، وبحيث يتجاهل القائمون على الصرف أن مثل هذه السياسات لا تساعد على بناء ملاكات تصون أمن المخيمات وأمن التجمعات الفلسطينية، بل تبقى هذه الملاكات عرضة للقلق الاجتماعي وهو ما يتعارض مع جوهر مهماتها الكفاحية، خاصة وأن هذه الملاكات تراقب كيف يتمتع البعض بالكثير من الامتيازات إن على المستوى الفردي أو على المستوى العائلي، بينما يحرم الآخرون حتى من حقوقهم المشروعة كما أقرتها لهم اللوائح المالية في م.ت.ف.
* مظهر آخر من مظاهر التمييز يلاحظه المراقب أن نظام الضمان الصّحي، والمدفوعة مصاريفه من موازنة م.ت. ف تقتصر خدماته على كوادر فتح وقياداتها وعناصرها، بينما لا يستفيد منه الآخرون، إن من الفصائل أو من أبناء الشعب الآخرين.
المتقاعدون.. فئات!
* ويمتد التمييز في الاستحقاقات المالية ليطال المحالين على التقاعد، فهناك فئة تستفيد من هذا النظام بحيث تتلقى حوالي 70% من مرتبها بدل تقاعد بعد أن تكون قد خدمت السنوات المستحقة بينما لا يستفيد من هذا النظام باقي الفئات، خاصة كبار السن في الفصائل الذين أمضوا حياتهم في النضال منذ أن انطلقت الثورة وحتى الآن.
الواضح أن ثمة قانوناً ينصف هؤلاء، ويكافئهم على نضالهم، لكن الواضح أيضاً أن هناك من يعطل هذا القانون، في خدمة مصالح فئوية وتنظيمية، مستندة على مفاهيم الاستئثار حتى عائلات الشهداء!
* وقد لاحظ المراقبون أن التمييز قد طال كذلك عائلات الشهداء. فهذه العائلات لم تتلق تعويضاتها (على سبيل المثال) منذ خمسة أشهر، دون أن يكون هناك أسباب مقنعة خاصة وأن موازنة م.ت.ف في لبنان تصل شهرياً إلى «الجهات المعنية» الأمر الذي يدعو للتساؤل عن أسباب انقطاع أو تأخير مخصصات عائلات الشهداء وتعويضاتها.
الأمر الثاني هو التمييز بين شهيد وآخر. فشهيد من فتح، على سبيل المثال، تحسب له رتبته في التعويض الشهري لعائلته وهذا طبيعي وحق من حقوق كل شهيد بالمقابل لا تعتمد لشهداء الفصائل الأخرى هذه الرتبة. والأمر المثير للأسف، والألم، أن عضواً قيادياً من فصيل ما، أمضى أكثر من 35 سنة في النضال، وترقى في مراتبه التنظيمية، وتحمل مسؤوليات عدة، وخاض العديد من المعارك دفاعاً عن شعبه وقضيته، وفي نهاية الأمر، يعتمد عند استشهاده برتبة مقاتل.
* في السياق نفسه، يلاحظ كذلك أن عدداً غير قليل من الشهداء في بعض الفصائل الفلسطينية مضى على استشهادهم سنوات (أكثر من 6 سنوات) ومازالت الجهات المعنية تماطل في اعتمادهم شهداء، ولم تصرف لعائلاتهم حتى الآن قرشاً واحداً. الأمر الذي دفع بالبعض، إلى أن يكفر بالمقاومة والحركة الوطنية الفلسطينية. وهو يلاحظ كيف يتمتع البعض بالامتيازات، وكيف تشكو عائلات الشهداء العوز. علماً أن الواجب الوطني يفترض أن تكون مرتبات عائلات الشهداء في مقدمة اهتمامات الدوائر المعنية في م.ف.ت.
* أضف إلى ذلك أن الشريحة المالية المعتمدة لعائلات الشهداء هي في الأساس شريحة ظالمة ولم تأخذ حتى الآن المتغيرات في الأوضاع الاقتصادية في لبنان الأمر الذي يتطلب مراجعة جدية ومسؤولية لهذه الشريحة وبحيث يكون مرتب عائلة الشهيد بحدود 80% من مرتبه قبل الاستشهاد، مع الاستفادة من الضمان الصحي وغير ذلك من الضمانات الاجتماعية والتعليمية وغيرها (لماذا لا تكون الأولوية في المنح الجامعية ـ محلياً وخارجياً ـ لأبناء الشهداء على سبيل المثال؟).
الشباب.. الشباب
* يقول المراقب إن الموازنة الشهرية لمنظمة التحرير في لبنان، والبالغة 2.5 مليون دولار لا تلحظ مشاريع تهتم بعنصر الشباب، توفر له فرص العمل والبقاء في المخيم، بعيداً عن إغراءات الهجرة. ويقول أيضاً إن الصيغة الوحيدة التي يعتمدها البعض لـ «حل» مشاكل الشباب هي في التجييش الأمر الذي يوفر له دخلاً مادياً متواضعاً لكنه يعطل بالمقابل كفاءاته وطاقاته الشبابية، ويستغلها في غير الاتجاه القادر على تنميتها.
*الأمر نفسه ينطبق على الاتحادات الشعبية التي فقدت الكثير من دورها في تنظيم المجتمع، واستخدام المؤسسات التنموية، من تربوية واجتماعية وإنتاجية واستهلاكية، وبحيث تحولت هذه الاتحادات إلى مجرد هيئات فوقية، بعض أعضائها مفرغون على حساب موازنة م.ت.ف (هم بالأساس ممثلو فتح) أما الآخرون فهم إما متطوعون أو مفرغون على ملاك فصائلهم.
* ويختم المراقبون بالتأكيد إن السياسة المعتمدة في لبنان، في توزيع موازنة م.ت.ف لا تدل على أن الأمور تسير بالاتجاه السليم وهذا ما يستدعي إصلاحاً جذرياً.