غادرتكم قبل عشرين عاما على غير رغبة مني، في ذلك اليوم الحزيراني اخترقت أربع رصاصات رأسي ولم يلحق العطب بذاكرتي، ولكنها أرجعت شهابا من فضاء أثينا يسافر على أجنحة الآلهة باتجاه مرج بني عامر.
أعيش عالمي في مساحة للحلم، فأسكن في صدفة، أشرد بين رغبات ملحة في استعادة الحياة؛ في الانسياب بمجرى اكسيرها؛ أرغب في أن أزاول الرقص وفي خبطات قوية لأقدام الشباب على بيادر البلد المذهبة بالحنطة.
وتعيشون في مساحة جديدة للوهم؛ تحلمون بشهيد جديد يجعل الحلم أقرب، وأسير جديد لا يؤدي الى رحيل المهاجر..وحصار مشدد ربما يأخذ في طريقه الحواجز، ولا تحملون هموم جدران تحرق جني الارض.
وبين حلمي ووهمكم أتقلب، أموج في داخلي دونما استقرار، ألوذ بترابي لأدفأ؛ وأشفق عليكم من مسافة تفصل وهمكم عن حلمي.
لست بخير، وفي فضائي المتسع يستمر شباب يحملون وثائق الشهداء بزيارتي، تدفقت دمائهم في وقت يضيع منكم، وتألفون طي أجسادهم في أكفان ورايات لا تدثرهم، وأتلفع بحيرتي وأسئلة معلقة تبحث عن الحقيقة .
يا خالد:
بعد عشرين حزيران لا زلت مسكونة بك، ومن حلمك ننطلق إلى وهمنا، وأخاف على الشهداء من خذلان الحياة لنا، ومن حزن تعتق لا زال يستنسخ نفسه. أخاف عليكم ثورتنا على أنفسنا، والفلسطيني اليوم معجون بالغضب من كل شيء وأي شيء، يخرج بركانه المكتوم بين ضلوعه، أخاف علينا من انتشار رائحة البارود فوق النعوش وبين الدارات، وأخاف عليكم من ألمنا الذي تمأسس.
لا تحدثني عن أوهامنا، فهي عديدة نداري بها الهزيمة والفشل، ربما انطلقت من حلم مشروع لكنها انتهت الى الضباب، فعندما يسقط الشهيد قتيلا بلا معنى، وتتخندق الحناجر والبنادق، وتنضبط الرايات لبوصلة معلقة على أسنّة الحراب، نتبعثر في كل اتجاه، وتنتهون انتم وحلمكم إلى كارثة.
كلمات أخيرة قبل ان تدير ظهرك لنا، أخرج من مكانك في مقبرة سحاب الأردنية، غادرها وحرض زملائك الشهداء على الخروج من قبورهم في الشام ولبنان وفي مقابر الوطن؛ فلا حواجز أو متاريس بينكم، حرضهم على الرجوع واستلام زمام الامور، فلا تنازع صلاحيات يفرقكم، ولا أيدولوجيا تباعد ما بينكم، وتولوا الأمر انتصارا لأهداف استشهدتم من أجلها،عودوا وحافظوا على مكتسبات تعمدت بدمائكم وعذاباتنا، لم يكن من بينها في كل الأحوال هدف الوصول للحكم تحت سلطة الإحتلال.
منقول