سلطات الانتداب البريطاني لجنة تحقيق عرفت باسم " لجنة بيل " . هذه اللجنة قدمت في العام 1937 توصية بتقسيم فلسطين الى دولتين ، واحدة عربية واخرى يهودية وطلبت في الوقت نفسه اجراء تبادل سكاني بين الدولتين بحيث يجري تهجير 225 الف فلسطيني من اراضي الدولة اليهودية الى اراضي الدولة الفلسطينية ونحو 1250 يهويدي من اراضي الدولة الفلسطينية الى اراضي الدولة اليهودية . رحبت الترويكا القيادية للحركة الصهيونية والوكالة اليهودية المشكلة آنذاك من حاييم وايزمان ، وموشي شاريت ودافيد بن غوريون بالفكرة وكتب في حينه دافيد بن غوريون في يومياته الخاصة بتاريخ 12 تموز 1937 يقول : " ان الطرد الاجباري للعرب من الاودية التي اقترحت للدولة اليهودية يعطينا ما لم نكن نملكه حتى في ايام الهيكلين الاول والثاني ، انه يعطينا الجليل الخالي من السكان العرب " .
افكار الترانسفير او التهجير القسري او التطهير العرقي هذه كانت دائماً حاضرة في مخططات الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي ، ليس عند المتطرفين من امثال جابوتنسكي فقط بل وعند الليبراليين من امثال كاتس نيلسون ، احد ابرز قيادات حزب الماباي ، الذي دعى الى ذلك بشكل علني وواضح وصريح في المؤتمر الدولي لوحدة عمال صهيون ، الذي انعقد في آب من العام 1937 . في ذلك المؤتمر وصف كاتس نيلسون الترانسفير بأنه في جوهر الاصلاح السياسي والاستيطاني ليضيف بأنه كان من انصار هذه السياسة . " ما زلت أؤمن بانه قدر عليهم ( أي على الفلسطينيين ) ان يطردوا الى سوريه أو الى العراق " . يوسف فايتس ، احد قادة الوكالة اليهودية ومدير قسم الاستيطان في الصندوق القومي اليهودي كان هو الاخر على قناعة بسياسة الترانسفير هذه ، فقد كتب في يومياته ، التي دونها في 20 كانون الاول من العام 1940 ، ان شراء الاراضي ليس وسيلة لبناء الدولة ، ليؤكد ان الوسيلة الانجع والافضل لذلك هي " طرد العرب الى سوريه والعراق " مستثنيا من عملية الطرد او الترانسفير بيت لحم والناصرة والقدس القديمة ، حتى لا يكون ذلك سببا في اثارة الرأي العام المسيحي في العالم ضد هذه الافكار السوداء .
شبه اجماع ساد اوساط الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية والصندوق القومي اليهودي على الترانسفير ، التهجير القسري ، التطهير العرقي كوسيلة لاقامة الدولة اليهودية . فقط هي " حركة هاشومير هاتسعير " بزعامة موشي سميلانسكي ، التي تحولت لاحقاً الى حزب مبام ، كانت تعارض هذه الافكار وهذه المخططات باعتبارها معادية للاشتراكية ، وتدعو بدلا من ذلك الى دولة عربية – يهودية ثنائية القومية .
وعلى خلفية هذه الافكار والممارسات كانت سياسة الترانسفير ، التهجير القسري والتطهير العرقي ، التي وجدت ترجمتها الفعلية في ماسمي في الايام الاخيرة من عهد الانتداب على فلسطين بالخطة " دالت " ، التي اعتمدتها قيادة الوكالة اليهودية في العاشر من آذار 1948 سياسة رسمية اوكلت تنفيذها للوحدات العسكرية للهاجاناه او ما كان يسمى في الدوائر الرسمية بالقوات اليهودية . في تلك الخطة اعطيت الاوامر لتلك الوحدات العسكرية لترجمة سياسة الترانسفير بتوجيهات مفصلة كاثارة الرعب بين السكان ومحاصرة القرى والبلدات والاحياء الفلسطينية وقصفها وحرق المنازل والاملاك والبضائع وهدم البيوت والمنشآت وزرع الالغام وسط الانقاض لمنع السكان من العودة الى قراهم وبلداتهم واحيائهم ، وهو الامر الذي كشفه عدد من المؤرخين الجدد اليهود من أمثال بيني موريس ، وشيما فلابان ، وآفي شلايم وايلان بابيه ، بالاعتماد على " قانون السرية " الاسرائيلي ، الذي يسمح بالاطلاع على معلومات ووثائق مضى عليها 40 عاماً . خطة " دالت " تلك تواصلت على امتداد ستة أشهر ارتكبت فيها 28 مجزرة اشدها هولاً وقسوة مجزرة دير ياسين وترتب عليها تدمير 531 بلدة وقرية فلسطينية واخلاء نحو احد عشر حيا سكنيا في عدد من المدن الفلسطينية ، مثلما ترتب عليها تهجير 800 ألف فلسطيني ، تحولوا الى لاجئين في وطنهم ولاجئين في البلدان العربية المجاورة .
نعود بعد هذا كله الى الرئيس القادم من اقصى الغرب للاحتفال ، او المشاركة في احتفال الذكرى الستين لقيام دولة اسرائيل وندعوه الى النظر في الجانب الاخر من الصورة ، في صورة النكبة – المأساة ، التي يحيي الفلسطينيون في جميع مناطق تواجدهم ، ذكراها الستين في الوقت نفسه . هي صورة لم ترسمها دعوة تزعم اسرائيل انها صدرت عن دول عربية تدعو الفلسطينيين الى مغادرة مدنهم وبلداتهم وقراهم بانتظار العودة اليها في اعقاب نصر ، بل صورة رسمتها سياسة لا تشبه سياسة التطهير العرقي ، التي مارسها المتطرفون القوميون الصرب ضد كوسوفو ومن قبل ضد البوسنه والهرسك فقط من بعيد .
وعندما ندعو الرئيس الاميركي الى النظر في الجانب الاخر من الصورة ، فليس لمجرد اثارة الاهتمام بالجوانب الانسانية لقضية اللاجئين على اهمية ذلك ، بل من اجل التأكيد على ضرورة واهمية وقف الاندفاع في دعم سياسة دولة اسرائيل واهمية ان تجري الادارة الاميركية مراجعة في سياستها تسهم في اخراج المنطقة من أزماتها المتفاقمة . وبالنسبة للشعب الفلسطيني فان الخطوة الاولى في طريق هذه المراجعة تبدأ عندما يدرك الرئيس الاميركي ان اسرائيل قد تلقفت رسالته الى أرئيل شارون في نيسان من العام 2004 كما لو كانت وعد بلفور جديد ، ويعلن سحبه لتلك الرسالة وتراجعه عنها حتى يصبح ممكنا التقدم في جهود التسوية من البوابة الفلسطينية على اساس قرارات الشرعية الدولية بما فيها القرار 194 باعتبارها المدخل لوقف سقوط المنطقة في المزيد من الفوضى الهدامة ، التي تهدد أمنها واستقرارها وتهدد الامن والاستقرار الدولي كذلك .