بعض التيارات السياسية تؤكد أن الصراع بين الفلسطينيين (والعرب عموما) وبين إسرائيل هو في جوهره صراع تاريخي / ديني أزلي بين المسلمين واليهود. هذا التصور خاطئ تماما، بل ويتسم بالرجعية. فحتى حوالي سبعين سنة مضت كانت نسبة ضئيلة فقط من اليهود الموزعين بين دول العالم المختلفة – هم بالتحديد أنصار الحركة الصهيونية – هي التي تؤيد فكرة إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وهي التي تهاجر طواعية إلى هذه الأرض للاستقرار بها. أما الأغلبية الغالبة من يهود أوروبا، الذين حولهم التوسع الرأسمالي إلى عمال، فقد كانت ترى خلاصها من الاضطهاد والظلم الواقع عليها في انتصار الثورة الاشتراكية العالمية.
الصهيونية لم تكن فكرة دينية أبدا. فمؤسسيها – وعلى رأسهم تيودور هرتزل – لم يكونوا رجال دين وإنما كانوا علمانيين ورجال سياسة. وقد نشأت الصهيونية كتيار سياسي رجعي في أواخر القرن التاسع عشر في أوساط البرجوازية الصغيرة اليهودية في وسط أوروبا. وبين يهود أوروبا، الذين أصبحت غالبيتهم في ذلك الوقت عمال وفقراء، كانت الصهيونية حركة أقلية – بالتحديد تلك الأقلية من متوسطي الحال من اليهود الذين كانوا يخشون – بسبب مصالحهم الطبقية – الاشتراكية وثورة العمال.
ولكن الصهيونية استطاعت فيما بعد أن تجتذب لصفوفها أنصارا أكثر، واستطاعت للأسف أن تتحول إلى حركة ذات نفوذ في مرحلة صعود النازية والفاشية قبيل الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945). فمع الهزائم المتتالية التي منيت بها الثورات والانتفاضات العمالية في الدولة الرأسمالية المتقدمة، ومع تزايد التهديد النازي العنصري لليهود، بدأت أعداد متزايدة منهم تتعاطف مع الصهيونية. وبالرغم من أن معظم هؤلاء لم يتحولوا إلى كوادر في الحركة الصهيونية، إلا أن غرف الغاز والمحارق الجماعية أثارت رعبهم وأطلقت رجعيتهم إلى الحد الذي جعلهم يميلون إلى اعتبار دولة إسرائيل بديلا "عملا" عن هتلر والفاشية.