الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
(ج.د.ت.ف)
من أجل العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة
1 ـ التأسيس
فصيل يساري ديمقراطي ثوري مستقل من فصائل حركة المقاومة الفلسطينية.
تأسست الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في 22/2/1969 في سياق الانتكاسات الكبرى التي مني بها المشروع القومي منذ مطلع الستينيات وانهيار أول وحدة قومية في تاريخ العرب الحديث (وحدة مصر وسوريا 1961)، وصولاً إلى حرب حزيران/ يونيو 1967، وما كشفته عن مأزق وعن عمق أزمة الحركة القومية العربية بمختلف تياراتها وتشكيلاتها بشكل عام تجاه قضايا التحرر والديمقراطية والتقدم العربية، وفي الساحة الأردنية ـ الفلسطينية تجاه القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، والمدى الذي بلغته هذه الأزمة باعتبارها أزمة برنامج وتكوين قيادي في آن ( طبقياً وفكرياً وسياسياً )، وشكل تلمس هذه الأزمة والمأزق الذي قادت إليه الأساس لتوجه قطاعات واسعة من المناضلين من مختلف الأحزاب القومية ومن البيئة السياسية القومية عموماً نحو اليسار ونحو تبني برنامج وطني جديد بمضمون ديمقراطي ثوري وتحت راية طبقية وفكرية جديدة.
هذه القطاعات لم يكن خيارها حركة فتح التي كانت من موقع الوطنية الفلسطينية ومبادرتها التاريخية لإطلاق الكفاح المسلح تمثل المنهج العفوي لحركة المقاومة المحكوم بموقع البرجوازية الوطنية وبأفق أيديولوجيتها، ولم يكن يجذبها اليسار الشيوعي الرسمي الذي عانى في مساره التاريخي من جملة مشاكل في استيعاب خصائص القضية الوطنية الفلسطينية وفقد زمام المبادرة السياسية وتخلف عن الإمساك بحلقة النضال المركزية في اللحظة التاريخية المحددة، بما في ذلك عدم إدراكه لوظيفة الكفاح المسلح في انبعاث الهوية واستنهاض الحالة الوطنية الفلسطينية بعد حرب الـ 67 .
بفعل هذه العوامل المتداخلة، انتشر على نطاق واسع التطلع نحو ولادة حزب ثوري من طراز جديد، فلسطيني الهوية والانتماء وعروبي الآفاق في آن، ينخرط في حركة المقاومة المسلحة طارحاً حلاً ديمقراطياً جذرياً للمسألة الوطنية الفلسطينية، حزب يتبنى فكر الطبقة العاملة مناضلاً من أجل تكريسها طليعة طبقية فاعلة، مبادرة، وجديدة للثورة الوطنية الفلسطينية، ولحركة التحرر الوطني العربية. هذا الطموح الوطني والقومي والأممي الكبير شكل الأساس والروافع لإنطلاقة الجبهة الديمقراطية، وهي الولادة التي ارتبطت أيضاً بالتحولات الفكرية والاجتماعية الكبرى التي شهدتها تيارات وثورات واحزاب الحركة القومية في البلاد العربية عامة، وخاصة حركة القوميين العرب بمختلف فروعها منذ أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات والصراع الفكري والاجتماعي والسياسي الذي احتدم بين مختلف أجنحتها ( بلغ الذروة بعد حرب الـ 67 )، انتهى بانخراط فروعها في تأسيس أطرها الحزبية المستقلة في أقطارها بما في ذلك الفرع الفلسطيني بجناحيه المعروفين علناً حينذاك: الجناح التقدمي والآخر القومي بشعارات عامة الذي كان يعمل منذ 11/12/1967، تحت اسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، والتي تشكلت من التيارين التقدمي والآخر القومي + جبهة التحرير الفلسطينية (استقلت سريعاً عام 1968 تحت عنوان الجبهة الشعبية – القيادة العامة) + منظمة فلسطين العربية التي استقلت ايضاً عام 1968.
قدمت الجبهة الديمقراطية نفسها عند التأسيس جبهة يسارية متحدة ودعت في وقت مبكر لإقامة تحالف وطني ديمقراطي ثوري. على هذا الأساس، استقطبت سريعاً قطاعات واسعة يسارية وديمقراطية الإتجاهات لا تنتسب إلى تنظيم بعينه، كما جذبت فئات موزعة على صفوف الحركة الوطنية والديمقراطية وحركات الشباب بشكل عام، وانضمت إليها على قاعدة هذه السياسة بعد شهور قليلة من التأسيس منظمتان يساريتان: "عصبة اليسار الثوري الفلسطيني" و "المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين"، ولاحقاً ( في العام 1972 ) أقسام من ( الجبهة الشعبية الثورية ).
منذ انطلاقة الجبهة الديمقراطية يضطلع نايف حواتمة بمسؤولية الأمين العام، أما القيادات التي لعبت دوراً في تأسيس الجبهة وفي توطيد أركانها في بداية انطلاقها، فقد وفدت من مواقع وتجارب نضالية وتنظيمية مختلفة، وقد استمرت الجبهة تعمل تحت اسم "الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين" ولاحقاً "الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين"، إلى أن كان العام 1975 فحملت اسم "الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين". بحكم التطورات الايديولوجية والبرنامجية السياسية والنضالية والاجتماعية في صفوفها وتيارها الجماهيري.
في وقت مبكر للغاية برزت على مستويي الفكر السياسي والممارسة النضالية للجبهة محاور تعمقت مناحيها واغتنت مضامينها في مجرى العملية الوطنية، وأهمها: المقاربة المرحلية للمسألة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني شديدة الخصوصية والموقع المفصلي الذي تحتله في إطار هذه المقاربة مسألة الوحدة الوطنية، والعلاقة بين الخط السياسي والمقاومة المسلحة والحلول التنظيمية للتقدم نحو الأهداف السياسية المحددة على قاعدة تؤمن تعبئة القوى وتحشيدها وتمتين الوحدة الوطنية والائتلاف المنبثق عنها .
2 ـ البرنامج المرحلي
انفجار التناقضات بين سياسة السلطة الاردنية، وسياسة المقاومة تجاه قضايا الصراع العربي – الاسرائيلي والحقوق الوطنية الفلسطينية، ادّى الى حرب ايلول الاسود بين أخوة السلاح، بدلاً من الجبهة المتحدة للخلاص من الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية، وعدوانه على الاراضي الاردنية.
الهزيمة التي تكبدتها المقاومة في أيلول/ سبتمبر 1970 وما تلاها من معارك قادت إلى تصفية وجودها العلني في الأردن، أطلقت في صفوف الجبهة مراجعة نقدية صريحة وشاملة لسياستها وسياسة المقاومة في الأردن، غاصت في عمق الواقع المعقد للعلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، وبخاصة واقع الانقسام الإقليمي في المجتمع الأردني، وجذوره الكامنة في الموقع الفريد الذي يحتله الأردن في خارطة المصالح الإمبريالية في المنطقة، والوظيفة التي تؤديها السياسة الاردنية في هذا السياق من خلال مصادرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي التعبير المستقل عن هويته الوطنية (راجع وثيقة "حملة أيلول والمقاومة الفلسطينية" "مراجعة نقدية"، دار الطليعة ـ بيروت 1971).
هذه المراجعة النقدية كانت بداية الرحلة نحو صياغة برنامج "حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بما فيها القدس العاصمة"، أي البرنامج المرحلي الذي كان في الواقع، إعادة صياغة للفكر السياسي الفلسطيني المتمحور حتى ذلك الحين حول ثنائية التضاد بين "المقاومة" وبين "التسوية"، بين "الكفاح المسلح" وبين "الحل السلمي" … وإن جاءت كإشارة عامة في هذا السياق دعوة الجبهة للمجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة (تموز/ يوليو 1971) إلى إقامة "قاعدة ارتكاز أمنية ومحررة" في الأراضي الفلسطينية المحتلة تكفل استمرارية الثورة الفلسطينية حتى تحقيق أهدافها"، فسرعان ما عمقت أعمال الكونفرنس الوطني العام الأول للجبهة ( تشرين الثاني/ نوفمبر 1971 ) النقاش حول هذا الموضوع، وأتت الدورة الرابعة للجنة المركزية ( آب/ أغسطس 1973 ) لتجديد وتطوير النقاش حول هذا الموضوع، لتبلور عناصر البرنامج المرحلي ولتقره رسمياً من خلال وثيقة: "عشر موضوعات حول الخط العام للبرنامج المرحلي في المناطق المحتلة والأردن". والجدير بالذكر أن هذا البرنامج طرح، للمرة الأولى، فكرة الانتفاضة الشعبية باعتبارها الشكل المميز من أشكال الحرب الشعبية الذي تسمح به شروط النضال الفلسطيني.
ازدادت هذه الموضوعات راهنية وملموسية على يد البيان الصادر عن دورة اللجنة المركزية الموسعة (تشرين الثاني/ نوفمبر 1973) أي مباشرة بعد حرب تشرين/ أكتوبر 73، التي أفضت إلى تحسين جزئي في صالح العرب لتوازن القوى مع "إسرائيل"، وكذلك في النداء الصادر عن منظمة الجبهة في الأراضي المحتلة (تشرين الثاني/ نوفمبر 1973). وأتى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة (حزيران/ يونيو 1974) ليعتمد البرنامج المرحلي تحت عنوان: "برنامج النقاط العشر"، الذي تحوّل بعد الدورة الرابعة عشرة (كانون الثاني/ يناير 1979) إلى برنامج للإجماع الوطني الفلسطيني الموّحد على امتداد عقد ونصف من الزمن، أي حتى التوقيع على اتفاق أوسلو (13/9/93) الذي يقوم على الحلول الجزئية والمجزوءة، الذي شكل تراجعاً عن برنامج الاجماع الوطني، والذي وصل الى طريق مسدود.
واصلت الجبهة الديمقراطية النضال لإعادة بناء الاجماع على البرنامج الوطني المرحلي، وفي هذا المسار عاد الجميع إلى الحوار الوطني الشامل، وانجزنا إعلان القاهرة 2005، وبرنامج وثيقة الوفاق الوطني حزيران/يونيو 2006 المتطور على اعلان القاهرة، وقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير 2007 – 2008، التي جددت الالتزام بالبرنامج الوطني المرحلي، ودمقرطة ودسترة مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وفق قوانين التمثيل النسبي الكامل، فقد بادرت الجبهة منذ عام 1972 في النضال وتقديم مشاريع التمثيل النسبي الكامل لاشاعة الحياة الديمقراطية في كل مؤسسات م.ت.ف والاتحادات والنقابات..الخ، وجددت هذا في مسار العمليات الانتخابية داخل الوطن وفي الشتات، لتأمين شراكة وطنية شاملة، بديلاً عن الانقلابات السياسية والعسكرية على البرنامج الموحد، والتي توالت منذ مؤتمر مدريد اكتوبر 1991، وبديلاً عن سياسات الاحتكار الأحادي للسلطة والقرار السياسي، واتفاقات المحاصصة الاحتكارية الثنائية بين فصيل وآخر (اتفاق 8 شباط/فبراير 2007)، بعد الاجماع على برنامج وثيقة الوفاق الوطني والصراع الفلسطيني الداخلي والاقليمي يدور على تطبيق برنامج الاجماع لتجاوز انقسام حزيران/يونيو 2007، والهيمنة بالقوة المسلحة على شعبنا في قطاع غزة، وإعادة بناء الوحدة الوطنية شرط النصر وانتزاع الحقوق الوطنية.
3 ـ الوحدة الوطنية