كتاب الشهداء
يوم السابع من كانون الثاني 1965، يوم تاريخي في حياة الشعب الفلسطيني، حيث شهد ليل ذلك اليوم تحرك مجموعة فلسطينية، كانت تصنع بخطواتها طريق فلسطين الى النصر، حيث ادت مهمتها في ارض الوطن، وعادت تحمل معها بشائر غد مشرق، لشعب نكبته الايام بعدوان اسرائيلي غاشم، اقام دولته المعتدية على انقاضه، مدعما بمصالح عدوانية عالمية متعددة.
كان هذا اليوم، يوم الشهيد الفلسطيني الذي وصل هذا اليوم بايام طويلة وبعيدة شهدت شلالات دماء زكية قدمها اصحابها من اجل عيون فلسطين الوطن الذي استحق من ابنائه ان يتقدموا واحدا تلو الاخر جيلا بعد جيل.
الشهداء في فلسطين, ولأجل فلسطين، كتاب ملون بدماء الابطال وعيون الاطفال، وقلوب الامهات والاخوات والازواج، واصوات الرجال، كتاب يحمل اسماء كثيرة، ذهب اصحابها الى سجلات الخلود، وعاشوا ويعيشون في ذاكرة الشعب والوطن.
من اين تبدأ هذه الصفحات، وكيف نقرأها، وبماذا نصفها ونصنفها؟ وكلها صفحات جليلة برجالها النجوم المتلألئة الساطعة، التي يسيل منها الجلال والكبرياء والحق والبطولة والتضحيات الجسام.
يتسابقون الى الموت، فيهرب الموت منه، ويستحي خجلا من جرائمهم. هذا يفتدي الأخر بنفسه، حتى لا يحزن عليه اذا ما سبقه الى الشهادة. وذلك يقتحم باب الموت، فيرتجف الباب، ويعود حاملا بها وثبة العز والبأس.
يا شهداء فلسطين، يا كتاب سطور لا ينتهي، ويتجدد يوما بعد يوم. احمد موسى الشهيد الذي سقط في ذلك اليوم التاريخي، يستقبله الشهداء الذين سبقوه، تبتسم ارواحهم الطاهرة، التي تستبشر النصر، من خلال قوافل الشهداء الاحياء عند ربهم.
ومع ذكر الشهداء في فلسطين، تكتب مرحلة من تاريخ نضال هذا الشعب البطل، فالشهداء فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير، تبرز معهم مرحلة البدايات النضالية الاولى للشعب الفلسطيني، ويبرز دور الانتداب الانجليزي في دعمه للمشروع اليهودي منذ بداياته الاولى في فلسطين.
وعندما نذكر عز الدين القاسم واخوانه، تكون مرحلة المعركة الحاسمة التي خاضها الفلسطينيون في مواجهة اليهود والانجليز، الذين جندوا عشرات الالاف من الجنود المدججين بأسلحة هجومية ثقيلة بالدبابات والطائرات.
وعندما يسقط الشهداء رفاق عبد القادر الحسيني وعبد الرحيم محمود، تكون امامنا معركة النضال الفلسطيني، في مواجهة الدعم الغربي والعالمي للعصابات الاسرائيلية والهاغاناة، التي مهدت لاعلان اسرائيل في 15/ أيار/1948، حيث بدأت نكبة الشعب الفلسطيني وتشرده في المناطق العربية المجاورة لفلسطين، وفي عدد من المناطق العربية البعيدة والدولية الاخرى، وقد ضم ثرى فلسطين قبور الشهداء الفلسطينيين، والى جانب شهداء كتبت على قبورهم انهم من بصرى الشام وبصرة العراق واسوان مصر ورقة الشام، وطرابلس الغرب، ومغرب العرب، والحجاز.
ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965، واطلاقها الرصاصة الاولى، تبدو مرحلة جديدة في نضال هذا الشعب البطل، كان طليعتها الشهيد احمد موسى، ثم توالت قوافل الشهداء وعلى درب النضال الطويل الى فلسطين، التي مضى عليها سنوات طويلة حاول الاعداء طمسها والقضاء على ذكرها ووجودها السياسي والجغرافي، وكانوا شهداء متنوعي الثقافات والجنسيات والاديان. كلهم وجدوا انفسهم في بوتقة واحدة، وقد انتشرت قبورهم في عواصم العرب والعالم، بعد ان تعددت اسباب استشهادهم في معركة النضال والصمود والمواجهة من اجل فلسطين.
يا ليل الشهداء، الفلسطينيين، ويا صباحهم المشرق، ويا ايامهم التي يجب ان تبقى. سنذكر اسماء خالدة في سجلات خالدة وفي معارك خالدة. هذه معركة الكرامة، وتلك معارك العرقوب، وتلك معارك جبل الشيخ، والجنوب اللبناني، والشمال والجنوب، والمدن والشوارع والجبال والسهول، والبحر والنهر، والجو، والسماء، والليل والنهار. تل الزعتر.. احراش جرش.. صبرا وشاتيلا.. طرابلس.. البداوي، صور، عين الحلوة، كلها شهدت مصارع الرجال الابطال. بيروت، عمان، تونس، حمام الشط، دمشق، الهامة، مدريد، ميونخ...، حيث سقط الرجال شهداء على درب الوطن، ومن اجل الشعب، حتى اصبح الشهداء على وطن وعلى سلطة وطنية فلسطينية، وعاد الرجال الى غزة، واريحا ورام الله ونابلس وبدأت حكاية شهداء جديدة، وحكايات نضال اخرى، في ظل اتفاق سلام، لم ينفذ، ومضت ايامه آلاما وحصارات وعذابات جديدة، ووعودا زائفة، ومماطلات وتسويفات متجددة، وعدوانات آثمة.
الشروط الاسرائيلية تنسف عملية السلام، والغطرسة العدوانية تقهر الشعوب. والمعركة تزحف على الجميع من كل مكان، وتنتشر في كل الميادين والشوارع. ويتساقط مئات الشهداء من كل الاعمار والاجناس والاماكن. في الشوارع والبيوت والمصانع والمدارس. ويستمر شلال الدم الفلسطيني متدفقا حبا لفلسطين وتضحية لاجلها..
يا شهداء فلسطين. لكم العهد والعهد. فان الدماء التي سالت من قلوبكم وعروقكم غالية نفيسة، وكانت لاجل اغلى واسمى حدث. ومن بعدها سيبقى الوفاء لكم عنوانا لكل يوم وشهر وسنة. الشهداء كتاب مقروء يوميا.
وهم صفحة خالدة في سجل خالد.
وهم نجوم لكي يهتدى بهم. ومثال على التضحية والفداء.
دم شهداء عام 1920 وما تلاها وما سبقها، وحتى هذا اليوم دين علينا لا يؤجل سداده.
ودماء الشهداء في الايام التي تلتها، والتي ستتلوها.
فارس عودة، ورهام الورد، وايمان حجو... شهداء لن يكونوا اخر الشهداء.
ودماء الشهداء ستصنع النصر، وسترفع العلم.
ويا شهداء فلسطين، تصبحون على نصر وعلى دولة مستقلة