اعتاد الشهيد محسن فؤاد جابر أن يرسم صور الشهداء على لوحات رخامية، قبل أن يلون أغلى اللوحات بدمه ليحفر صورته في ذاكرة التاريخ، مقاوماً استشهادياً من أبطال الاقتحامات.
فمساء يوم السبت الموافق 21/12/2002 امتشق الفارس سلاحه، وتزنر بالقنابل والمتفجرات، مقتحماً مغتصبة موراج جنوب خانيونس، ليشتبك مع جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، موقعاً اثنين منهم انتقاماً لشعبه، قبل أن يستشهد، ويلحق بدرب الشهداء.
ونجح الشهيد الذي لم يكمل العقد الثاني من عمره، في التسلل إلى مستوطنة موراج رغم أبراج المراقبة والتحصينات ليسجل اسمه بدمه في سجل الخالدين أبطال الاقتحامات.
ويقول أحد قادة كتائب المقاومة الوطنية الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية التي نفذ الشهيد عمليته من خلالها، أن أجهزة الرصد حددت الهدف والمتمثل في مركز الأمن بمستوطنة موراج ، ليتم بعد ذلك وضع خطة الهجوم وتطوع الشهيد البطل لتنفيذ الهجوم بعد أن ألح مراراً لتنفيذ عمل استشهادي انتقاماً للشهداء والمجازر التي يرتكبها الاحتلال.
وزار الشهيد موقع الهجوم مسبقاً وحدد مساره، قبل أن يعود لمنزله مجهزاً نفسه للحظة المنى. حيث انطلق على بركة الله بعد أن ودع أحبابه وطلب من معارفه مسامحته؛ ليتوجه إلى المستوطنة زاحفاً مسافة طويلة، وينجح في اختراق منظمتهم الأمنية تحت غطاء من اشتباك قام به رفاقه على الجانب الآخر من المستوطنة.
وما هي إلا لحظات حتى فاجأ مجموعة من جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين ألقى عليهم قنابله وفتح نيران رشاشه.
ورغم أن الإعلام الصهيوني تحدث عن وقوع العديد من الإصابات في الهجوم مشيراً إلى أن سيارات الإسعاف تعمل على إخلاء الجرحى غير أنه عاود التكتم على خسائره مكتفياً بالإعلان عن إصابة إسرائيليين واستشهاد المقاوم جابر بعد معركة بطولية.
والشهيد محسن جابر بطل فلسطيني ولد عام 1983 لأسرة فلسطينية لاجئة تعود جذورها إلى إحدى قرى الوطن المحتل استقرت في خان يونس بعد رحلة تشرد ومعاناة. وللشهيد أحد عشر شقيقاً وشقيقه، وكان يعمل في ورشة دهان يملكها أحد إخوته.
ويقول محمد الشقيق الأكبر للشهيد أن محسن كان يتمنى الشهادة ويطلبها باستمرار حيث كان يتحرق غضباً بعد كل مجزرة يرتكبها الاحتلال ويقول سأنتقم سأنتقم.
وذكر أن شقيقه كان مرحاً في أيامه الأخيرة وابتسامته لا تفارقه، والأهم أنه كان أكثر قرباً من الله حيث التزم الصلاة في المساجد ويشهد له من الجيران أن اعتكف الأيام العشرة الآواخر قبل استشهاده.
وعلمنا أن الشهيد وبعد قرر تنفيذ عمليته البطولية التي عرف أن مصيرها فيها الاستشهاد توجه إلى أحد المشايخ سائلاً عن الصورة والأخلاق التي يجب أن يكون عليها الإنسان كي ينال شهادة حقيقية تجعله في الفردوس الأعلى رفيقاً للمصطفى، وكان أن عمل جاهداً بما نصح ليلقى الله على الصورة التي يحب.
ورغم شعورها بالفخر لاستشهاد ابنها إلا أن السيدة آمنة جابر لا تزال تشعر بالألم خاصة أنها حرمت من وداع الشهيد وتقبيله قبل مواراة جثمانه الثرى، حيث كانت في القاهرة للعلاج وعادت بعد عملية التشييع. وتحدثت الوالدة التي لم تجف دموعها بعد يومين من استشهاد ابنها عن أخلاقه وكيف كان يحن عليها ويحرص على رضاها، مشيرة إلى تأثره والحالة النفسية التي يكون بها بعد سقوط كل شهيد خاصة من الأطفال.
وزينت صور الشهيد الحي الذي يسكن فيه بمخيم خان يونس فيما نتصب السرادق الذي أقامته العائلة لتقبل التهاني بالشهيد في ذات المكان الذي نصب قبل يومين فقط لتقبل التهاني بالشهيد جواد زيدان، ليكون هكذا حال الفلسطينيين استقبال ووداع الشهداء.