الشهيد القائد البطل عمر القاسم
--------------------------------------------------------------------------------
في ذكرى استشهاد عريس القدس الشهيد عمر القاسم
في ذكرى استشهاد عريس القدس الشهيد عمر القاسم
بقلم محمود بلاسمة
في ذكرى شهادة الكبار تنحني الكلمات وتجف الأحبار.... الكلام عن رمز من رموز الحركة الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال الصهيوني كالشهيد القائد عمر القاسم يطول ويصعب.. فحياة هذا المناضل المعلم والإنسان المعطاء البعيد عن الإدعاء تجعل من عرفه أو سمع عنه يقف خاشعاً مبهوراً أمام شخصية متميزة في الصمود في وجه الجلاد.. شخصية غنية الفكر والإتزان.. لطيفة المعشر مع المحيطين بها من المناضلين الأسرى.
كيف لا وأبا القاسم الذي قاد العمل العسكري للجبهة ضد العدو الصهيوني بعد حرب عام 67 وأبعدته قوات الاحتلال من الضفة الفلسطينية إلى الأردن دون أن تعرف هويته، يعود قائداً لإحدى العمليات عبـر الحدود فيعتقل وتكشف شخصيته عام 69 ليخوض مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في تلك المرحلة تجربة الاعتقال الأولى المرة والمليئة بالتحدي المفتقدة للتجربة السابقة، ليؤسسوا معاً وبدور بارز منه اللبنات الصلبة للحركة الأسيرة التي بدأت تخوض النضال داخل الزنازين لتحقيق الذات النضالية ورفع المستوى المعنوي ورص الصفوف وانتزاع شروط حياة أقل قسوة من بين مخالب السجان.. من خلال تنظيم الاضرابات عن الطعام ورفع عرائض واتخاذ خطوات احتجاجية ترهق السجان إلى أن يذعن لما يقدم من مطالب.
وكان للشهيد أبا القاسم محطة أخرى منيرة في تاريخ الحركة الأسيرة، ففي عام 1974 وأثناء نجاح مجموعة للجبهة الديمقراطية في التسلل إلى داخل فلسطين المحتلة والدخول إلى مدرسة في مستوطنة معالوت واحتجاز عدد كبير من الأساتذة والتلاميذ والمجندين العسكريين الصهاينة بهدف إطلاق الأسرى من سجون العدو، وكان على رأس اللائحة المطالبة بإطلاق سراح الشهيد عمر القاسم، فما كان من قوات الاحتلال إلا أن اقتادته من المعتقل تحت التهديد ليخاطب أفراد المجموعة ويدعوهم للاستسلام، لكنه خاطبهم بعد أن عرفهم على نفسه بالقول (لديكم مهمة وتحملون تعليمات لتنفيذها، وأطلب منكم ألا تتراجعوا) وقد شكل هذا الموقف الشجاع والبطل للشهيد القائد عمر القاسم صدمة للأعداء ودفعة معنوية للمقاومين الذين استبسلوا في استشادهم وسطروا بدمائهم الزكية، عملية بطولية يرتعد لذكراها من عاشها ومن سمع عنها من الصهاينة.
هذا المناضل الرمز الذي أمضى في سجون العدو الصهيوني أكثر من عشرين عاماً لم يكسره القيد فكان قائداً ومثقفاً من الطراز الأول إلى أن استشهد واقفاً ومعلماً للأجيال التي عاشت معه وتوالت على القيد، ليرفع من عزيمتها ويحثها على التحدي والصمود والاستفادة من الوقت من خلال المطالعة وإغناء الفكر، إلى أن داهمه المرض اللئيم وهو يقود الطابور الرياضي من أجل كسر إرادة السجان الذي يعمل لتيئيس الأسرى وإفراغهم من محتواهم الوطني والفكري كل صباح. يتعالى أولاً على ألمه ويتمرد على الضعف في القوة بالرغم من الإهمال الطبي المتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون الصهيونية التي لم تعطِ له العلاج المناسب عند مرضه منذ البداية. الأمر الذي أدى إلى استفحال المرض في جسد أبا القاسم واستشهد بعد أسابيع قليلة من نقله إلى المستشفى ليعود رمزاً وشهيداً إلى شوارع القدس التي تربى فيها وغادرها إلى الأسر قبل عشرين عاماً محمولاً على الأكف مكللاً بالغار تبكيه القلوب وتزفه العيون عريساً لمدينته الحبيبة.