الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين حركة ثورية مسلحة ، احد الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير الفلسطينية و هي حركة جماهيرية وطنية قومية تضم المناضلين بدون تمييز عرقي أو اقليمي ، أو ديني أو طائفي ، تقوم على الاستقلال الفكري والسياسي الكامل عن أية احزاب عربية أو دولية .
أنطلقت في 22 شباط 1969 ، انتقدت الجبهة الصراع الصيني - السوفييتي وأكدت استقلالها الفكري والسياسي ، وكانت الحقوق الفلسطينية بتقرير المصير وبناء دولة فلسطين المستقلة وعودة اللاجئين هي مواضع انتقاد الجبهة لسياسات الصين والسوفييت في الشرق الاوسط حتى تم اعتراف البلدين بهذه الحقوق الفلسطينية بعد قرارات المجلس الوطني الفلسطيني ( يونيو / حزيران 1974 ) ، وقمة الرباط العربية ( تشرين اول / اكتوبر 1974
خلال السبعينات كانت علاقات الجبهة الديمقراطية متوترة مع البعث العراقي الذي قاد الانقسام السياسي وشكل جبهة الرفض الفلسطينية ضد البرنامج الوطني المرحلي لمنظمة التحرير الذي تقرر باجماع الفصائل والقوى والشخصيات في دورة المجلس الوطني (حزيران / يونيو 1974 ) ، وتشكلت جبهة الرفض من الجبهة الشعبية ، الجبهة الشعبية - القيادة العامة ، جبهة التحرير العربية ، جبهة النضال الفلسطيني حتى 1979 بعد المصالحة السورية - العراقية وتوقيع الميثاق القومي عام 1978 ، فانفرط عقد جبهة الرفض وعادت الفصائل المذكورة الى منظمة التحرير بدورة المجلس الوطني المنعقد بدمشق عام 1979 .
في الثمانينات توترت العلاقة بين الجبهة الديمقراطية والبعث السوري بعد الانشقاق الكبير في فتح والاقتتال الدموي بين فتح المركزية وفتح الانتفاضة ومعها القيادة العامة ، الصاعقة ، جبهة النضال ، الحزب الشيوعي الثوري بزعامة خالد الفاهوم رئيس جبهة الانقاذ التي تشكلت بعد الانشقاق في فتح ، وانضمت لها لاحقاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اذار 1985 .
ونتيجة لسياسةالجبهة الديمقراطية دخل السجون السورية عدد من قادة وكوادر الجبهة الديمقراطية وعاشت قيادة الجبهة بين الجزائر وتونس وقبرص وعمان واليونان حتى عام 1993 وعارضت الجبهة الديمقراطية مؤتمر مدريد ( اكتوبر 91 ) بينما ذهبت سوريا وجناح فتح في منظمة التحرير الى مؤتمر مدريد .
1 - التأسيس
تاسست الحركة كفصيل يساري مستقل من فصائل حركة المقاومة الفلسطينية في 22 / 2 / 1969 في سياق الانتكاسات الكبرى التي مني بها المشروع القومي العربي بعد حرب حزيران / يونيو 1967 وما كشفته عن مأزق برنامج وعن عمق أزمة الحركة القومية بمختلف تشكيلاتها بشكل عام وفي الساحة الأردنية - الفلسطينية بخاصة ، والمدى الذي بلغته هذه الأزمة باعتبارها أزمة برنامج وتكوين قيادي في آن ( طبقياً وفكرياً وسياسياً ) ، وشكل تلمس هذه الأزمة والمأزق الذي قادت إليه الأساس لتوجه قطاعات واسعة من المناضلين من مختلف الأحزاب القومية ومن البيئة السياسية القومية عموماً نحو اليسار ونحو تبني برنامج وطني بمضمون ديمقراطي ثوري وتحت راية طبقية وفكرية جديدة .
بفعل عدة عوامل متداخلة ، انتشر على نطاق واسع التطلع نحو ولادة حزب ثوري من طراز جديد ، فلسطيني الهوية والانتماء وعروبي الآفاق في آن ، ينخرط في حركة المقاومة المسلحة طارحاً حلاً ديمقراطياً جذرياً للمسألة الوطنية الفلسطينية ، حزب يتبنى فكر الطبقة العاملة مناضلاً من أجل تكريسها طليعة طبقية جديدة للثورة الوطنية ولحركة التحرر الوطني العربية . هذا الطموح كان هو الحافز لولادة الجبهة الديمقراطية ، وهي الولادة التي ارتبطت أيضاً بالتحولات التي شهدتها حركة القوميين العرب بمختلف فروعها منذ بداية الستينات والصراع الفكري والسياسي الذي احتدم بين مختلف أجنحتها ( وخاصة بعد حرب الـ 67 ) ، والذي انتهى بانخراط فروعها في تأسيس أطرها الحزبية المستقلة في أقطارها بما في ذلك الفرع الفلسطيني الذي كان يعمل منذ 11 /12 /1967 تحت اسم " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " .
قدمت الجبهة الديمقراطية نفسها عند التأسيس كجبهة يسارية متحدة ودعت في وقت مبكر لاقامة تحالف ديمقراطي ثوري . على هذا الأساس ، استقطبت سريعاً قطاعات يسارية وديمقراطية ذات اتجاهات مختلفة لا تنتسب الى تنظيم بعينه ، كما جذبت فئات موزعة على صفوف الحركة الوطنية والديمقراطية وحركات الشباب بشكل عام ، وانضمت اليها على قاعدة هذه السياسة بعد شهور قليلة من التأسيس منظمتان يساريتان : " عصبة اليسار الثوري الفلسطيني " و " المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين " ، ولاحقاً ( في العام 1972 ) أقسام من " الجبهة الشعبية الثورية " .
منذ انطلاقة الجبهة الديمقراطية يضطلع نايف حواتمه بمسئولية الأمين العام ، أما القيادات التي لعبت دوراً في تأسيس الجبهة وفي توطيد أركانها في بداية انطلاقتها ، فقد وفدت من مواقع وتجارب نضالية وتنظيمية مختلفة . وقد استمرت الجبهة تعمل تحت اسم " الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين " ولاحقاً " الجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين " ، إلى ان كان العام 1975 فحملت اسم " الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين " .
في وقت مبكر للغاية برزت على مستويي الفكر السياسي والممارسة النضالية للجبهة محاور محددة تعمقت مناحيها واغتنت مضامينها في مجرى العملية الوطنية ، وأهمها : المقاربة المرحلية للمسألة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني شديدة الخصوصية والموقع المفصلي الذي تحتله في اطار هذه المقاربة مسألة الوحدة الوطنية ، والعلاقة الوثيقة بين الخط السياسي والحلول التنظيمية للتقدم نحو الأهداف السياسية المحددة على قاعدة تؤمن تعبئة القوى وتحشيدها وتمتين الوحدة الوطنية والائتلاف المنبثق عنها .
2 - البرنامج المرحلي
الهزيمة التي تكبدتها المقاومة في ايلول / سبتمبر 1970 وما تلاها من معارك قادت الى تصفية وجودها العلني في الأردن ، أطلقت في صفوف الجبهة مراجعة نقدية صريحة وشاملة لسياستها وسياسة المقاومة في الأردن ، غاصت في عمق الواقع المعقد للعلاقات الأردنية - الفلسطينية ، وبخاصة واقع الانقسام الاقليمي في المجتمع الأردني وجذوره الكامنة في الموقع الفريد الذي يحتله الأردن في خارطة المصالح الامبريالية في المنطقة والوظيفة التي يؤديها في هذا السياق من خلال مصادرة حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وفي التعبير المستقل عن هويته الوطنية .
هذه المراجعة النقدية كانت بداية الرحلة نحو صياغة برنامج " حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بما فيها القدس العاصمة " ، أي البرنامج المرحلي الذي كان في الواقع ، اعادة صياغة للفكر السياسي الفلسطيني المتمحور حتى ذلك الحين حول ثنائية التضاد بين " المقاومة " وبين " التسوية " ، بين " الكفاح المسلح " وبين " الحل السلمي .
3 - تنظيم الجبهة الديمقراطية
البناء التنظيمي للجبهة أفقي دائري بالأساس ، قوامه وحدات قاعدية ضمن منظمات محلية ( على أساس جغرافي ، قطاعي .. ) وإرتفاعه الهرمي التراتبي يقتصر على العدد اللازم من محطات الوصل من جهة وضرورة توحيد التوجيه لضمان وحدة العمل من جهة أخرى . أما المبدأ التنظيمي الأساس فهو المركزية الديمقراطية التي توجه علاقة منظمات الجبهة مع مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني وفئاته الاجتماعية والحركة الجماهيرية عموماً . ان الآليات التطبيقية المختبرة لهذا المبدأ التنظيمي ، تضمن بواسطة المؤتمرات الدورية وعلاقات العمل اليومية مشاركة أعضاء ومنظمات الجبهة في رسم سياستها وإنتخاب الهيئات القيادية والمحاسبة والرقابة المتبادلة .