هذا هو الكتاب الرابع الذي يصدره »المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات« (ملف) في سلسلة »من الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر«. وهو يستكمل به ما جاء في الكتاب الثالث من السلسلة بعنوان »المقاومة الفلسطينية 1970.. في ظل ازدواج السلطة«، وفي إطار مراجعة نقدية لتجربة المقاومة الفلسطينية في الأردن، والتي انتهت في تموز (يوليو) 1971 بإنهاء الظاهرة العلنية لوجودها هناك.
والكتاب، على غرار ما سبق، ليس محاولة لتأريخ الحدث، بقدر ما هو محاولة لتسليط الأضواء على المنعطفات الرئيسية فيه، وقراءته سياسياً، ومحاكمته، عبر محاكمة الأطراف الفاعلة فيه.. وهي بشكل خاص المقاومة الفلسطينية، والنظام الأردني، دونما إهمال للحالة العربية بشقيها الرسمي والشعبي.
وقد اتبع الكتاب منهجية معينة قضت بالتمهيد للتحليل والقراءة والنقد والتقييم، بعرض موجز للحدث ومعطياته الرئيسية. هذا ما نلاحظه بشكل واضح في استعراض تجربة ودروس حملة أيلول، ونتائج أعمال المجلس الوطني الفلسطيني في دورتيه الثامنة والتاسعة. وإن مثل هذه المنهجية أعفت الكتاب من الغوص في العرض التاريخي للحدث، كما وفرت للقارئ القدرة على محاكمة التحليل والنقد والمراجعة، ربطاً بالحدث ووقائعه بما هي أدوات مساعدة على الفهم الموضوعي، خاصة وأن فارقاً زمنياً يفصل بين تاريخ صدور هذا الكتاب، وتاريخ وقوع الحدث، الأمر الذي يحتاج بالضرورة إلى إنعاش ذاكرة القارئ (للذين واكبوا التجربة) أو إلى عرض شريط الأحداث أمام ناظريه (للأجيال الصاعدة التي لم تواكب ذلك الحدث، ولم تعش تجربته).
يضم الكتاب بين دفتيه الفصول التالية:
الفصل الأول ويقدم عرضاً سريعاً لمجرى الأحداث في الأردن من 28/8/1970 إلى 26/11/1971. فيلقي الضوء على المقدمات المباشرة لحملة أيلول، التي شنها النظام الأردني ضد المقاومة الفلسطينية، وعلى وقائع هذه الحملة. كما يرصد في السياق السياسة الأردنية الهادفة إلى إلغاء الوجود العلني للمقاومة في الأردن، وجهود الوساطة العربية التي فشلت في ثني عمان عن مخططها. والهدف من هذا الفصل، هو التمهيد لما يليه.
الفصل الثاني وعنوانه »حملة أيلول والمقاومة الفلسطينية« يحمل وجهة نظر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في قراءتها لحملة أيلول وأغراضها ونتائجها، ومسارها، والدروس المستفادة منها، محاولاً في الختام الإجابة على السؤال المفتاح لكل قضية: ما العمل؟ وقد أثار التقرير عند صدوره حالة من السجال والجدل، باعتباره أول مراجعة نقدية يجريها فصيل فلسطيني لتجربة عمل المقاومة في الأردن، كما سلطت الضوء على معطيات الحالة الأردنية التي حاول الكثيرون تجاهلها وتجاهل تأثيرها على أوضاع المقاومة ومستقبلها.
الفصل الثالث كناية عن مساهمة نقدية للجبهة الديمقراطية لتجربة المقاومة في الأردن في مدخل تجربة الميليشيا الشعبية رداً على تقييم أحد قادتها لتجربتها أثناء أحداث أيلول يعزو فيها- بشكل رئيسي- الخلل في أدائها إلى نواقص فنية وإدارية، ويدعو فيها- بشكل غير واضح- إلى شن »هجوم سياسي« للخروج من مأزق ما بعد أيلول، دونما تحديد لعناصر هذا »الهجوم«. وإن أتت هذه المساهمة النقدية في معرض السجال مع رأي شائع في أوساط لا يستهان باتساعها في المقاومة، فإنها - في الوقت نفسه- عرض لخطوط برنامج مواجهة الانقسام الإقليمي في الأردن، عبر عمل سياسي وجماهيري صبور، من أجل إعادة التناقض في البلاد إلى تكوينه واتجاهه الصحيح في مواجهة إسرائيل وحلفائها.
الفصل الرابع يتناول وقائع أعمال المجلس الوطني الفلسطيني الثامن، الذي عقد في القاهرة من 28/2 إلى 5/3/1971، أي في أعقاب حملة أيلول وما تلاها من تطورات، بما في ذلك فشل الوساطة العربية. يستعيد هذا الفصل وقائع أعمال المجلس ويعيد التذكير بالبرنامج السياسي وبالهيكل التنظيمي للوحدة الوطنية اللذين صدرا عنه، في سياق توفير رد فلسطيني على حملة أيلول ونتائجها السياسية. ويقدم هذا الفصل صورة واضحة عن حالة الانقسام السياسي التي هيمنت على أعمال المجلس، وصورة عن الصراع الذي دار بين رؤيتين (برنامجين) في تقييم حملة أيلول، ومعالجة نتائجها. الأولى وقد عبّر عنها التيار اليميني في المقاومة حين أعفى النظام الأردني من مسؤولياته وألقى بأعباء المسؤولية كاملة على المقاومة الفلسطينية بشكل عام، وعلى يسارها بشكل خاص. والثانية عبّر عنها التيار اليساري الذي مثلت طليعته الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. وقد جاء برنامج العمل السياسي والهيكل التنظيمي للوحدة الوطنية تعبيراً عن تسوية بين التيارين لعدم قدرة أي منهما على حسم الموقف لصالحه، وبفعل الدور الذي لعبه اليسار الفلسطيني في تصويب الرؤية والتصدي لمحاولات محاصرة المقاومة فلسطينياً على يد اليمين، استكمالاً لحالة الحصار التي فرضها عليها النظام الأردني بعد حملة أيلول.
الفصل الخامس وفي تواصل مع الثالث، ينتقل من الوقائع إلى القراءة السياسية والتحليل والمراجعة والنقد، فيستعيد الموضوعات المقدمة من الجبهة الديمقراطية إلى المجلس، ويقيّم نتائج أعمال المجلس، محاولاً أن يفسر الأسباب التي أدت إلى فشل المقاومة في تحديد برنامج للوحدة بين أطرافها، وكيف أن اليمين في المقاومة حاول الهرب من استحقاقات الجبهة الوطنية المتحدة، إلى اصطناع »وحدة عسكرية« بيروقراطية هدفها تعليب المقاومة في أطر يسهل على اليمين السيطرة عليها ومصادرتها وفق رؤيته السياسية.
الفصل السادس يتناول هو أيضاً وقائع الدورة التاسعة للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت ما بين 7-13/7/1971 أي بعد أربعة اشهر تقريباً على الدورة الثامنة للمجلس. ومع أن الهدف لهذه الدورة هو دفع الحالة الفلسطينية خطوات إلى الأمام، إلا أن نجاح النظام الأردني في القضاء على آخر علامات الوجود العلني للمقاومة في الأردن (حملة جرش- عجلون ضد مواقع المقاومة في تموز/ يوليو 1971) بعد ساعات على انتهاء أعمال المجلس، وضعت الحالة الفلسطينية أمام مستجدات سياسية، تطلبت العودة مرة أخرى إلى عقد جلسة جديدة للمجلس. ومع ذلك فإن الدورة التاسعة تميزت عن سابقاتها بمشاركة الفصائل الفلسطينية كافة، وتعزيز تمثيل الاتحادات الشعبية فيه. ويمكن القول إن تركيبة المجلس التاسع شكلت نقلة نوعية مقارنة مع تركيبة المجلس السادس التي عقدت في أيلول (سبتمبر) 1969. كما شكل المجلس خطوة جديدة على طريق استكمال بناء مؤسساته، ووضع آليات عملها.
أما الفصل السابع فيتضمن مجمل التقارير ومشاريع القرارات المقدمة من الجبهة الديمقراطية إلى المجلس التاسع، وقد تضمنت هذه الوثائق تقريراً عن المهام الراهنة وآخراً عن الوحدة الوطنية يقود إلى بناء جيش تحرير شعبي موحد، مرفقين بمشاريع قرارات.
وفي السياق العام نفسه، يحمل الفصل الثامن حديثاً مطولاً للرفيق نايف حواتمة الأمين العام للجبة الديمقراطية، حول مشكلات العمل الفدائي، تتضمن الرؤية النقدية والمراجعة الشاملة للجبهة الديمقراطية لما شهدته المقاومة الفلسطينية في سنتها الأخيرة من تطورات. نشر الحديث تحت عنوان »أحاديث مع المقاومة حول مشكلات العمل الفدائي الفلسطيني« في مجلة »شؤون فلسطينية« العدد رقم 5، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1971، وهو واحد من سلسلة مقابلات أجرتها المجلة مع عدد من قادة المقاومة الفلسطينية. وقد أثار الحديث هذا جدلاً في الساحة الفلسطينية وبات محوراً رئيسياً من محاور النقاش الذي شهدته الحالة الفلسطينية في أعقاب تجربتها في الأردن.
الفصل الأخير من الكتاب حمل دراستين مهمتين. الأولى بعنوان »أحداث أيلول ومسؤولية النظام الأردني«، من إعداد الباحث والصحفي الفلسطيني المعروف بلال الحسن، وقد جاءت بمثابة مساهمة في النقاش الدائر آنذاك ورداً على الآراء الانهزامية التي أطلت برأسها في الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني، لتحمل المقاومة، ويسارها بشكل خاص، مسؤولية حملة أيلول. أما الثانية فهي بعنوان »المقاومة والأسئلة المصيرية بعد أيلول« من إعداد د. خليل الهندي، الأكاديمي والأستاذ الجامعي المختص بشؤون الهندسة الكهربائية.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن بلال الحسن وخليل الهندي احتلا موقعاً قيادياً في الجبهة الديمقراطية، وفي مكتبها السياسي تحديداً حتى أواخر العام 1970. وكان بلال الحسن أول ممثل للجبهة الديمقراطية في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير منذ الدورة السادسة للمجلس الوطني (أيلول/ سبتمبر 1969) إلى أن قدم استقالته منها في 14/3/1971 في أول اجتماع عقدته اللجنة التنفيذية بعد انتهاء أعمال المجلس الوطني الثامن.
ويختتم الكتاب بملحق يتضمن ثلاث وثائق ورد ذكرها في متن الكتاب هي بيان »اللجنة المركزية« في م.ت.ف. في 9/9/1970، واتفاق القاهرة بين النظام الأردني والمقاومة (27/9/1970) واتفاق عمان (13/10/1970). والوثائق تعتبر أدوات مساعدة للقارئ والباحث معاً، في مراجعة ما جاء في الكتاب من إسهام جاد، ليس لصياغة تاريخ المقاومة بل للوقوف عند أهم محطاتها، والاطلاع على تجربتها الغنية، واستلهام الدروس، بما يغني تجربة المقاومة والحركة الوطنية الفلسطينية في وضعها الراهن