ما من كتاب، أياً كانت بلاغته، وفرادة إخراجه، يستطيع أن يرقى ولو قليلاً إلى مستوى التضحية بالدم، أو أن يكافئ شهيداً، حمل البندقية دفاعاً عن شعبه وحريته وأرضه وكرامته الوطنية.
فالتضحية بالدم والروح هي أعلى مراتب التضحية، وما هذا الكتاب سوى محاولة للتعبير عن العرفان بالجميل للذين لبوا نداء »كتائب المقاومة الوطنية«، الجناح المقاتل للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، في »انتفاضة الاستقلال«. فحملوا السلاح، وتصدوا للاحتلال والاستيطان، فبقيت الراية خفاقة، وأسهموا بفضل جهودهم ونضالاتهم وتضحياتهم، في دفع المسيرة أشواطاً إلى الأمام على طريق الحرية والاستقلال والعودة.
والكتاب، في مجمله، عمل توثيقي، حرص القائمون عليه، في »المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات« (ملف)، على اعتماد بيانات »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« المصدر الرئيس لمعلوماتهم، كما صدرت في الضفة والقطاع، وكما نشرت في »الحرية«، الناطقة بلسان الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وفي غيرها من وسائل الإعلام.
وقد ارتأى القائمون على هذا الكتاب أن يقسموه إلى الفصول التالية:
الفصل الأول: ويحمل في طياته إضاءة سريعة على تاريخ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ميدان الكفاح المسلح، منذ انطلاقتها في 22/2/1969 وحتى تأسيس »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية«. وذلك للتأكيد بأن »كتائب المقاومة« وتجربتها النضالية ليست هي نقطة البداية، بل تأتي في سياق التواصل والتكامل للتجربة الغنية للجبهة الديمقراطية ودورها التاريخي في مجمل العملية الكفاحية، وفي إطار الحركة الوطنية الفلسطينية، في مسيرتها الطويلة، وفي محطاتها المختلفة. لذلك حمل الفصل عنواناً ناطقاً في مضمونه: »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية: على خطى القوات المسلحة الثورية وقوات النجم الأحمر«.
فعرض الفصل، في كلمات قليلة لتاريخ تأسيس »القوات المسلحة الثورية« عنواناً للتجربة العسكرية الثرية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في مناطق الشتات في الأردن ولبنان وسوريا، وما حملته هذه التجربة من دروس، والدور الذي لعبته »القوات المسلحة الثورية« في إغناء العمل العسكري الفلسطيني، والقتال ضد العدو، والدفاع عن الثورة والشعب في المراحل والمحطات السياسية المختلفة.
كما عرض لتجربة »قوات النجم الأحمر« الذراع العسكري للجبهة الديمقراطية إبان الانتفاضة الكبرى (1987-1993) في إطار التواصل مع تجربة »القوات المسلحة الثورية« في الخارج.
وقد أفرد الفصل معظم صفحاته لاستعراض تجربة »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« والسقف السياسي الذي حكم هذه التجربة انسجاماً مع رؤية الجبهة لتطورات الحالة الفلسطينية وتداعياتها ربطاً بالأهداف المرسومة، وبالتفاعلات على المستوى الإقليمي والدولي.
كما عرض للأساليب والتكتيكات القتالية لكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، مؤكداً قدرتها على اعتماد معظم أساليب حرب العصابات، من عمليات الإغارة على مراكز العدو ومواقعه العسكرية (كما هو حال عملية حصن مرغنيت الشهيرة في قطاع غزة) أو على مستوطناته المسلحة (كما هو عملية إيتامار ويتسيهار والحمرا في الضفة الفلسطينية) أو نصب الكمائن لدوريات العدو وقوافل مستوطنيه، أو زرع العبوات ضد سيارات العدو وآلياته العسكرية، أو غيرها من الأساليب.
كما أوضح الفصل الدور المتقدم الذي لعبته »كتائب المقاومة الوطنية« في الدفاع عن المناطق الفلسطينية ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتواترة، وجاهزيتها العالية للرد على جرائم الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني وقياداته، منها العمليات المميزة للرد على جرائم اغتيال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، واغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين وغيرهما من القيادات الوطنية، وكذلك الرد على جرائم العدو ضد أبناء مخيمات جباليا وغزة ورفح وخانيونس وغيرها.
كذلك كان لمقاتلي كتائب المقاومة دور ملموس في التصدي للعملية العدوانية المسماة »السور الواقي« التي أعاد من خلالها العدو الإسرائيلي احتلال الضفة الفلسطينية في آذار /نيسان 2002.
وما كان »لكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« أن تمتلك هذه الحيوية والجاهزية في العمل القتالي لولا امتلاكها بنية قتالية مدربة، وحرص القيادة السياسية على توفير كل مستلزمات العمل المسلح، لإدراكها ما يحتله في العملية الكفاحية في المرحلة الحالية من موقع جوهري، إن في الرد على جرائم الاحتلال وعدوانه المتكرر، أو في صون الانتفاضة وتزخيمها. ويوضح الفصل كيف نجحت »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« في أن تشق لنفسها طريقاً كفاحياً مميزاً خاصاً بها، تحول بعد فترة إلى الخط المعتمد على الصعيد الوطني من قبل الأذرع العسكرية الفلسطينية كافة، الأمر الذي يوضح مدى صوابية الرؤية السياسية التي حكمت الدور الكفاحي لكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، والتي جاءت جولات الحوار الفلسطيني لتنحاز لها في نهاية المطاف، باعتبارها الخط الصائب الواجب اتباعه.
الفصل الثاني: وهو يرصد جميع العمليات القتالية التي نفذتها »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« في الضفة والقطاع، منذ انطلاقة »إنتفاضة الاستقلال« وحتى إعلان التهدئة على لسان رئيس السلطة الفلسطينية في 8/2/2005، في قمة شرم الشيخ الرباعية. وقد استند هذا الفصل إلى البيانات الصادرة عن قيادة »كتائب المقاومة« في الضفة والقطاع، وإلى ما جاء عنها في مجلة »الحرية«، والصحف الإسرائيلية، وعدد من الصحف العربية.
وقد ارتأينا الالتزام بالتسلسل الزمني لوقوع العمليات، نظراً للترابط الموضوعي بين وتيرة العمليات وبين التطورات السياسية. ولعل القارئ سوف يلاحظ أن العام 2004 كان حافلاً، بشكل مميز، بالعمليات القتالية، دون أن يقلل ذلك من عدد العمليات التي شهدتها الأعوام السابقة أو من نوعيتها أو تأثيرها السياسي.
الفصل الثالث: أفردت صفحاته للتوقف أمام عملية »حصن مرغنيت« التي استهدفت أحد أكثر المواقع المعادية في قطاع غزة تحصيناً وتسليحاً الأمر الذي أحدث هزة في صفوف القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل، وصنع منعطفاً في مسار العمل المقاوم.
لماذا فصل بكامله لعملية واحدة؟ لأنها جاءت في سياق جدل سياسي فلسطيني ساخن حول التكتيك القتالي الواجب اتباعه وحول طبيعة العمليات الواجب القيام بها، وقد شكلت عملية حصن مرغنيت خطوة ذات مغزى أكدت مصداقية الدعوة لحصر العمليات القتالية في المناطق المحتلة عام 67، وبحيث تستهدف قوات الاحتلال وآلته الحربية وبنيته الاستيطانية. وبحيث تفعل العمليات العسكرية فعلها في تهديم ثقة الجندي الإسرائيلي بنفسه، وتهديم قناعة المستوطن بجدوى الاستيطان.
ردود فعل القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل أكدت صحة هذه الرؤية. كما لقيت هذه العملية ترحيباً من الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي، جرى التعبير عنه في سلسلة من المقالات التي حمل الفصل الثالث مقاطع رئيسية منها، كتبت في بيروت وعمان ودمشق ولندن وباريس والقاهرة وغيرها. ولقد أوضحت التجربة أن طريق »عملية حصن مرغنيت« والأسلوب القتالي الذي جسدته هو الخيار المجدي الذي يضع العمل العسكري الفلسطيني في خدمة أهداف »انتفاضة الاستقلال«.
الفصل الرابع: بعنوان »عملية أبو هولي وتداعياتها«. وقد عرض لحادثة ذات مغزى سياسي. فعشية إعلان التهدئة نجح أبطال »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« في تنفيذ عملية عسكرية ضد الموقع العسكري الإسرائيلي قرب حاجز أبو هولي مما أوقع في صفوف العدو ثلاثة جرحى، بينما استشهد أحد أبطال العملية. وقد ردت السلطة الفلسطينية باعتقال ثلاثة من أعضاء اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، من بينهم حالات مطلوبة لقوات الاحتلال. الجبهة الديمقراطية من جانبها رفضت الانجرار لردود فعل عشوائية، وحرصت على معالجة الأمر بمواقف سياسية مبدئية وثابتة وبتحشيد موقف تضامني رادع، على المستوى الشعبي والسياسي، الفلسطيني والعربي والدولي، مارست من خلاله ضغطاً على السلطة الفلسطينية لإطلاق سراح الرفاق المعتقلين، وللكف عن اللجوء إلى العنف والاعتقال على خلفية سياسية.
وقد عبر التضامن الواسع الفلسطيني والعربي والدولي مع الجبهة الديمقراطية عن تقدير سياسي لمواقفها وصحة معالجتها للأمر. أهمية دروس هذه الواقعة تقودنا إلى التأكيد على ضرورة توفير الأطر القيادية الوطنية الجامعة، التي توفر الفرصة للجميع للمشاركة في القرار الوطني السياسي، والالتزام به، بعد أن أثبتت التجربة فشل الاستفراد بالقرار في معالجة الاستحقاقات السياسية على المستوى الوطني.
الفصل الخامس: جرى تخصيصه لمعالجة مسألة وقف إطلاق النار التي توصلت إليها فصائل المقاومة، بدعوة من حكومة محمود عباس (يوم كان رئيساً للوزراء) في 29/6/2003. يشرح هذا الفصل الإطار السياسي الذي ولدت في سياقه الدعوة للهدنة، كما يعرض مواقف الأطراف الفلسطينية المعنية من قضية وقف إطلاق النار، بالاستناد إلى بياناتها الصادرة في ذلك الوقت.
»كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« التزمت بالقرار السياسي للجبهة الديمقراطية إلى أن انهارت الهدنة تحت وطأة العدوان الإسرائيلي المتواصل والجرائم التي أصر جيش الاحتلال على ارتكابها بحق أبناء الشعب الفلسطيني.
الفصل السادس: يعرض التجربة الثانية لوقف إطلاق النار متمثلة بقرار »التهدئة«، التزاماً بتفاهمات قمة شرم الشيخ الرباعية في 8/2/2005.
ورغم أن رئيس حكومة إسرائيل اريئيل شارون لم يلتزم صراحة بالتهدئة، ورهن ذلك بمدى التزام الجانب الفلسطيني، إلا أن الجبهة الديمقراطية حرصت على صون القرار الفلسطيني الموحد، وأبلغت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) قرارها الالتزام بالتهدئة وفقاً لرؤية سياسية متمسكة بها تعتبر التهدئة مدخلاً لاستئناف المفاوضات وبما يقود إلى اندحار الاحتلال والاستيطان عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة. الفصل يقدم للقارئ بيان الجبهة الديمقراطية الذي يعلن التزامها التهدئة، كما يتضمن خطابي أبو مازن وشارون في شرم الشيخ.
الفصل السابع: وقد خصصناه للسجل الذهبي الخاص بكتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، أي لتقديم أسماء وصور شهداء »كتائب المقاومة الوطنية« إلى القراء. وقد قسمنا الفصل إلى الأقسام التالية:
* الأول للشهداء الذين جرى اغتيالهم على يد قوات الاحتلال وهم عزل من السلاح، وبعمليات اتسمت بالحقد والغدر. الجدير بلفت النظر إليه هو أن أول جريمة اغتيال استهدفت المناضلين الفلسطينيين بعد اندلاع الانتفاضة هي التي طالت الرفيق فراس ديب سباعنة أبو حطب في منزله في مخيم جنين في 24/11/2000 أي بعد أسابيع على اندلاع الانتفاضة وقبل أن تنفذ »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« عمليتها الأولى، الأمر الذي يؤكد أن العمل المقاوم المسلح جاء في سياق الرد على جرائم الاحتلال، إلى جانب كونه في الوقت نفسه أسلوباً كفاحياً تطلبته طبيعة المرحلة السياسية الراهنة.
كما يلاحظ في السياق أن العدو الإسرائيلي استهدف في عملياته الجبانة قيادات الجبهة (كمحاولته الفاشلة لاغتيال قيس عبد الكريم عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية في رام الله) كما استهدف الكوادر القيادية في كتائب المقاومة (من بينهم أيمن البهداري قائد »الكتائب الوطنية« في جنوب قطاع غزة) وكذلك المقاتلين العاديين، الأمر الذي يؤكد أن حربه ضد »كتائب المقاومة الوطنية« كانت شاملة وعلى كل المستويات.
*الثاني للشهداء أبطال عملية بناية الأنوار في نابلس في التصدي لقوات الاحتلال ومقاومتها حين اقتحمت مكتب تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية في م. ت. ف، والمكتب السياسي للجبهة الديمقراطية واعتقلته في سجونها لمدة ستة أشهر كاملة.
معركة بناية الأنوار، التي خاضها ببسالة أبطال »كتائب المقاومة الوطنية« بدعم وإسناد من أبناء نابلس، تأكيد ليس فقط على شجاعة وبسالة الشهداء الذين رووا بدمهم أرض نابلس الطاهرة، وصانوا كرامة المدينة وأهلها، بل وكذلك شهادة دامغة على صدقية بيانات »كتائب المقاومة الوطنية« حول دور مقاتليها في الدفاع عن أبناء الشعب ضد العمليات العدوانية لقوات الاحتلال.
إن أهمية معركة الأنوار تكمن في نموذجها القتالي ونتائجها المشرفة حيث تكبد العدو في هذه المعركة خسائر فادحة، اعترف من بينها بمقتل ضابط وجندي.
*القسم الثالث من الفصل خصص للأبطال شهداء العمليات الفدائية في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة.
*القسم الرابع من الفصل جرى تخصيصه لشهداء المواجهات البطولية في الضفة والقطاع، وقد أبلوا بلاءً حسناً في معارك الدفاع عن الشعب والأرض، ولقنوا، إلى جانب رفاقهم وإخوانهم في فصائل المقاومة، العدو دروساً بليغة تكبد خلالها خسائر في صفوف ضباطه وجنوده، وبقيت آلياته العسكرية تحترق على مداخل المدن والمخيمات، شهادة على بسالة المقاتل الفلسطيني وصموده.
الفصل الثامن والأخير في الكتاب قدم - وفق ما توفر له من وثائق – لأبطال كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية في سجون العدو وزنزاناته. بعضهم ما زال مغيباً في غياهب السجن، ينتظر المحاكمة والبعض الآخر صدرت بحقه أحكام جائرة كالحكم بحق المناضل مصطفى مسلماني (أبو الأديب) المتهم بإعدام العنصري كاهانا الابن وزوجته، أو كالحكم الصادر بحق المناضل منذر نايف صنوبر المتهم بالوقوف وراء العديد من عمليات »كتائب المقاومة الوطنية« في العام 2001.
ومن بين الكوادر القيادية التي صدرت بها أحكام جائرة إبراهيم أبو حجلة (أبو سلامة) عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. ولم تستثنِ قوات الاحتلال الفتيات فقد أصدرت بالحكم لمدة خمس سنوات على المناضلة يسرى محمد صابر عبده، العضو في اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني (أشد) بتهمة الانتماء ل»كتائب المقاومة الوطنية«.
كتاب »كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية« بما هو جهد جماعي لعدد من الزملاء الباحثين في »المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات« (ملف)، ليس إلا محاولة متواضعة للوفاء أمام مناضلي الانتفاضة والمقاومة ببعض حقهم. فعسى أن يكون قد نجح في ذلك.
الناشران