عملية السهم الناري
في هذه العملية لم يسقط للقوات المسلحة الثورية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين شهداء أو جرحى, وشكلت بالمقابل عنواناً ورمزاً لمدى قدرة ضابط هذه القوات على التقاط الفرصة وتحويها إلى لحظة تاريخية تلحق بالعدو خسائر فادحة, بشرياً ومعنوياً.
حصل ذلك في العام 1981. أثناء الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان, والتي سميت بحرب الجسور, وقد وقعت في تموز(يوليو) من العام المذكور.
حين بدأت طائرات العدو الإسرائيلي بدك الجسور المؤدية إلى الجنوب, على نهري الليطاني والزهراني, وذلك لتقطيع أوصال الجنوب, وتوجيه الضربات الموجعة إلى مواقع المقاومة الفلسطينية وسلاحها المدفعي. غير أن أبطال المقاومة قلبوا الطاولة في وجه العدو, وحولوا الحرب إلى معارك استنزاف للعدو, وأمطروا شمال فلسطين بآلاف القذائف والصواريخ, كما اضطر عشرات الآلاف من الإسرائيليين من النزول إلى الملاجئ أو النزوح بعيداً عن مستعمراتهم ومساكنهم.
وبعد منازلات أظهر فيها مقاتلو المقاومة بطولات مميزة لعب فيها سلاح مدفعية الجبهة الديمقراطية دوراً ملحوظاً ومشرفاً, خاصة على جبهتي النبطية وصور, وبوساطة من فيليب حبيب تم التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار صباح يوم 21/7/1981.
الخميس مساء, في 2/7/1981 كان قائد قوات الجبهة في صور, مع باقي أعضاء القيادة يتابعون الإذاعة الإسرائيلية. وإذا بها تذيع بياناً صادراً عن بلديات كريات شمونة يدعو موظفي البلدية خاصة فرق صيانة شبكة الإنارة إلى الحضور إلى مقر البلدية صباح الجمعة لمباشرة إصلاح الشبكة التي دمرتها مدفعية المقاومة.
ساعة الصفر لوقف إطلاق النار كانت السابعة والنصف صباحاً. البلدية طلبت إلى فرق صيانة شبكة كهرباء كريات شمونة أن يبدأوا العمل الساعة السابعة صباحاً, أي قبل نصف ساعة من وقف إطلاق النار. وقد استندت بلدية كريات شمونة في دعوتها, إلى أن جبهات القتال قد شهدت هدؤاً بعد الإعلان عن موعد وقف إطلاق النار المذكور أعلاه.
قيادة الجبهة في صور فكرت قليلاً: ماذا لو قصفنا كريات شمونة الساعة السابعة والربع صباحاً. أي بربع ساعة قبل وقف إطلاق النار. في التوقيت بالذات سيكون عمال الصيانة قد انتشروا في الشوارع وصاروا معلقين على الأعمدة, وستكون رافعات الشركة وسياراتها وشاحناتها قد انتشرت هي الأخرى في شوارع كريات شمونة. غير أن المشكلة التي برزت أمام قيادة الجبهة في صور أن كريات شمونة تقع على جبهة النبطية.
عبر جهاز اللاسلكي اتصلت قيادة الجبهة في صور بقيادة الجبهة في النبطية وعرضت على القائد هناك لطفي عيسى الفكرة. ارتاح العقيد لطفي عيسى لهذه الفكرة, رغم مخاطرها, لكنه اشتكى أنه لم يعد يملك العدد الكافي من الصواريخ. فأبدت قيادة الجبهة في صور استعدادها لتأمين الصواريخ.
وفي عتمة الليل, انطلقت من أحد مخيمات صور شاحنة كانت تحمل عشرة صواريخ من نوع غراد عيار 122ملم. متوجهة إلى النبطية حيث تسلمها ضابط المدفعية المكلف بالعملية. لغم بها راجمته, وتوجه عند ساعة الفجر الأولى نحو مربض الرمي المخصص له. وجهز نفسه للرمي عند تلقي الأمر.
العقيد لطفي عيسى كان مستيقظاً ينتشي كوباً من الشاي الساخن, وعينه على عقارب الساعة, وهو يتخيل فرق الصيانة في كريات شمونة تتدفق إلى الشوارع لتعيد ترميم شبكة الإنارة في المستعمرة التي هجرها أهلها هرباً من قذائف مدفعية المقاومة وصواريخها.
عند الساعة السابعة والربع تماماً أمسك العقيد لطفي عيسى بجهاز اللاسلكي ونادى على ضابط المدفعية, فرد هذا مستعداً: وما إن لفظ لطفي عيسى أمر الرمي,حتى كانت عشرة صواريخ غراد تنطلق من الراجمة متوجهة نحو كريات شمونة. وقبل أن يفيق العدو الإسرائيلي من ذهوله, وأن يكشف حقيقة ما جرى في كريات شمونة كان وقف إطلاق النار قد دخل حيز التنفيذ بإشراف مباشرة من الوسيط الأميركي المعروف فيليب حبيب. أحس قادة العدو بمرارة شديدة, خاصة وأن المقاومة, وبالتحديد, الجبهة الديمقراطية هي التي اختتمت جولة المنازلة. بعد أكثر من ساعة على الحدث.. تحدثت إذاعة صوت إسرائيل,وقالت إن "المخربين" أطلقوا قبل وقف إطلاق النار بدقائق, عشرة صورايخ على كريات شمونة أدت إلى مقتل اثنين من فرق صيانة شبكة الكهرباء. وإن قوات العدو "لم ترد" التزاماً بقرار وقف إطلاق النار"
قيادتا الجبهة في صور وفي النبطية اتفقتا على إطلاق اسم السهم الناري على هذه العملية. قيادة الجبهة في بيروت استفسرت. فجاءها الرد التالي:
· قيادة صور قالت: نحن لم نطلق أي صاروخ اليوم.
· قيادة النبطية قالت : نحن لم نستهلك أي صاروخ اليوم..
· قيادة بيروت فهمت المعنى وابتسامة عريضة ترتسم على ثغر ضابط العمليات المركزية.