الرفيق القائد نايف حواتمة: على دول الشرق الأوسط أن تفسح المجال للفلسطينيين
يُعرف عن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي احتفلت مؤخرا بالذكرى السنوية الـ 39 لتأسيسها، بأنها قوة سياسية فلسطينية "يسارية" معتدلة. وقد أخذت تلعب دورا أكثر فعالية على خلفية تصاعد حدة التوتر والخلافات بين الفصيلين الفلسطينيين الأكبر والأكثر تأثيرا، أي بين فتح وحماس. إذ تعمل الجبهة وتبذل الجهد من أجل استعادة وحدة الصف الفلسطيني، لاسيما توحيد صف القوى التي لا تقف إلى جانب أي طرف من طرفي الخلافات الفلسطينية الداخلية.
ويعتبر قائد الجبهة الديمقراطية وأمينها العام نايف حواتمة شخصية معروفة في الأوساط القيادية الفلسطينية، ساهم في حركة النضال الفلسطيني. بدأت مسيرة حياته السياسية الغنية عندما بلغ 16 عاما من عمره، عندما باشر نشاطه في صفوف القوميين العرب في الأردن وفي الضفة الغربية. وخلال أقل من خمسين عاما من العمل السياسي تنقل حواتمة بين أماكن مختلفة في الشرق الأوسط من لبنان وحتى اليمن. حُكم عليه بالإعدام أكثر من مرة. وقد ألف 25 كتابا.
وأجرت مديرة مكتب وكالة الأنباء الروسية في دمشق يوليا ترويتسكايا حوارا مع الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة والثلاثين لتأسيس الجبهة، تحدث فيه عن رؤيته للأزمة الفلسطينية الداخلية التي تدور فصولها في وقتنا الحالي، وعن تطورات عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعن دور روسيا في الشرق الأوسط.
- ترويتسكايا: ما هو دور الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين على خلفية الأزمة الداخلية في الساحة الفلسطينية؟
- حواتمة: إن الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تشكل القوة المحركة لكل المبادرات التي تهدف إلى استعادة الفلسطينيين لوحدتهم الداخلية، على أساس مقررات لقاء القاهرة عام 2005، ووثيقة التفاهم الداخلي التي أيدتها كل القوى الفلسطينية بتاريخ 26/6/2006. إلا أن حركتي فتح وحماس ابتعدتا عن هذا البرنامج وانجرا إلى حرب أهلية، مخالفين بذلك الاتفاقيات الثنائية بينهما، ولاسيما اتفاقية مكة بتاريخ 8/2/2007 التي تم التوصل إليها في المملكة العربية السعودية من أجل تقسم السلطة والصلاحيات بينهما. وقد أدى ذلك إلى حرب أهلية وانقلاب عسكري قامت به حماس في غزة.
مؤخرا قدمت الجبة الديمقراطية مشروعا لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وقد دعمت الكثير من الفصائل الفلسطينية هذه المبادرة، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، إلا حماس وفتح، فإنهما لم تعطيا حتى الآن جوابا إيجابيا بخصوص هذه المبادرة. ننوي متابعة جهودنا لإنجاز هذه المبادرة وإعادة هاتين الحركتين إلى طاولة الحوار الجماعي والديمقراطي، لكي ننفذ فقرات وثيقة الوحدة الوطنية التي تحتوي على برنامج شامل لكل الفصائل الفلسطينية.
- ترويتسكايا: برأيكم ما الذي يعيق حركتي فتح وحماس عن العودة إلى "طاولة المحادثات"؟
-حواتمة: أولا التنافس على السلطة والنفوذ بينهما، وكذلك الإغراءات المالية والمناصب في مؤسسات السلطة الفلسطينية. ثانيا: أيديولوجية فتح وحماس توتاليتارية ولا تسمح بأي حلول وسط. فالحركتان لا تؤمنان بإمكانية تأسيس جبهة تحالفية موحدة. ثالثا: ما الذي يعيقهم عن اتخاذ خطوات إحداهما تجاه الأخرى؟ تدخل دول الشرق الأوسط في الشؤون الداخلية الفلسطينية. ففتح تحظى بدعم وتأييد مصر والأردن، أما حماس فتساعدها سورية وإيران. المملكة العربية السعودية تقع في الوسط بين هذا الطرف وذاك. هذه القوى الإقليمية في الشرق الأوسط تحاول استخدام حركة المقاومة في فلسطين وفي لبنان كرهائن لتحقيق مصالحها وحل مشاكلها الداخلية.
العقبة الرابعة أمام الحوار بين فتح وحماس هو التدخل الأميركي والإسرائيلي. فهم (الأمريكيون والإسرائيليون) لا يريدون الوحدة الفلسطينية ويستخدمون الخلاف الفلسطيني من أجل خدمة مصالحهم.هذه هي الأسباب الأربعة التي تجعل فتح وحماس تستمران بالتنازع على السلطة في الأراضي الفلسطينية.
نحن بصفتنا ممثلين لجبهة الديمقراطية نؤمن بأن الوحدة الوطنية على أساس برنامج سياسي جديد شامل، يدعو إلى السلام العادل المتوازن مع إسرائيل، على أساس قرارات الشرعية الدولية، هو الطريق لحل النزاع الفلسطيني -الإسرائيلي، والوسيلة لضمان حق الفلسطينيين بإقامتهم لدولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وبحل مشكلة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
نحن نرفض تدخل العواصم الإقليمية، العربية والشرق أوسطية في الشؤون الداخلية للفلسطينيين، وكذلك نرفض تدخل الولايات المتحدة وإسرائيل، وندعو إلى الحوار الفلسطيني الشامل والعام، من أجل تنفيذ البرنامج السياسي الموحد الذي اتفقت عليه كل القوى الفلسطينية في القاهرة عام 2005 وفي غزة عام 2006.
- ترويتسكايا: هل تتوقعون أي خطوات مستقبلية في الشرق الأوسط من شأنها تقريب وجهات النظر بين طرفي الخلافات الفلسطينية؟
- حواتمة: إن جهود الجبهة الديمقراطية والمبادرة التي قمتها للدعوة إلى حوار فلسطيني عام ستعطي نتائج إيجابية بلا شك. لكن لو تحدثنا بصراحة فإن المصالح الأنانية الضيقة لدى كل من فتح وحماس وتدخل القوى الإقليمية يجعل جهودنا كلها وكأنها لم تكن. هذه العواصم الشرق أوسطية تحاول جعل الوضع الفلسطيني مثلما الوضع اللبناني. فالسياسيون اللبنانيون فقدوا القدرة على اتخاذ القرارات على المستوى اللبناني الداخلي لحل خلافاتهم الداخلية، وأعطوا هذا الحق للدول الأخرى، سورية وإيران من جانب، ومصر والمملكة العربية السعودية من جانب آخر.
نحن لا نريد للوضع الفلسطيني أن يتحول حسب السيناريو اللبناني. لهذا نسعى إلى الحوار العام لصياغة برنامج سياسي مشترك يناسب الجميع، والذي من الممكن أن يشمل فقرة لعودة المفاوضات الواسعة مع إسرائيل على أساس قرارات الشرعية الدولية و"خارطة الطريق" التي قدمتها "اللجنة الرباعية".
- ترويتسكايا: بأي شكل يمكن بدء حوار شامل بين كل القوى الفلسطينية إذا كانت كل من فتح وحماس تتمسكان بمواقف متناقضة بخصوص تسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. فتح مع الاستمرار بالمفاوضات وحماس مع فكرة متابعة الكفاح المسلح ضد إسرائيل؟
- حواتمة: لو تحدثنا عن حماس فإنها لم تقدم حتى الآن أي برنامج سياسي فلسطيني وتسعى إلى تأسيس دولة إسلامية في فلسطين بدعم من "الإخوان المسلمين" في مصر والأردن، وكذلك من القوى الإسلامية في الشرق الأوسط، ولاسيما إيران.
مع ذلك ذهبت حماس نحو الاتفاق السياسي مع فتح في مكة عام 2007 وأعلنت في إطار هذا الاتفاق عن قبولها للاتفاقيات التي أبرمتها منظمة التحرير مع الإسرائيليين. زد على ذلك إعلان قادة حماس أنهم يعطون لمحمود عباس الصلاحية لإجراء المحادثات السياسية مع إسرائيل. كل هذا يؤكد أن حركة حماس مستعدة للاتفاق في المجال السياسي مع محمود عباس وعلى تقاسم السلطة والنفوذ في غزة والضفة الغربية.
بدوره يؤمن أو مازن (محمود عباس) بنجاح درب المفاوضات والحل السياسي، وهذا يعكس السياسة العامة لكل الفصائل الفلسطينية الأعضاء في منظمة التحرير. في الوقت نفسه فإن (كتائب شهداء الأقصى) - الجناح المسلح من حركة فتح، تتابع المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.
خلال المحادثات العامة في القاهرة عام 2005 وفي غزة عام 2007 اتفقنا على برنامج سياسي موحد. حينها وضعت حماس وفتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية توقيعها على هذا البرنامج. إلا أن حماس وفتح ابتعدتا عن البرنامج، نظرا لأن تدخل القوى العربية ألغى ذلك الاتفاق، ودفع حماس وفتح نحو درب مختلف وراء المصالح الخاصة بكل واحد منهما.
وخير مثال على التدخل العربي هو المبادرة التي أطلقها الرئيس اليمني عبد الله صالح بتاريخ 23 شباط من هذا العام، بهدف عودة الحوار بين الفلسطينيين، بشرط امتناع حماس السلطة في غزة وتسليمها السيطرة على المؤسسات السياسية هناك وعلى الأجهزة الأمنية لمحمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. أبو مازن رحب بالمبادرة بينما رفضتها حماس. إن تدخلا من هذا النوع من قبل دول الشرق الأوسط هو تدخل فارغ ولا فائدة منه، وهو يزيد من تعميق الشرخ بين الفلسطينيين. يجب عليهم أن يفسحوا المجال أمام الفلسطينيين ليحلوا خلافاتهم بأنفسهم.
- ترويتسكايا: هل هناك أي اتصالات لديكم مع فتح وحماس؟
- حواتمة: لدى الجبهة الديمقراطية اتصالات دائمة وتجري المحادثات مع محمود عباس ومع قادة فتح، وكذلك مع قادة حماس. إضافة إلى ذلك فإن المبادرة التي اقترحناها عليهم جاءت بعد محادثات مع قادتهما. والآن نحن ننتظر الرد منهم على مبادرتنا.
- ترويتسكايا: ما هي توقعاتكم لتطور الأوضاع في الأراضي الفلسطينية على ضوء المواجهة بين فتح وحماس؟ ما الذي قد يؤدي إليه هذا الوضع وبما قد ينتهي؟
- حواتمة: إن تجاوز الخلاف بين فتح وحماس لن يحدث في المستقبل القريب. دول الشرق الأوسط تعيق عودة الحوار الفلسطيني- الفلسطيني، وتدفع الملايين لفتح ولحماس، ليستمر الشرخ بينهما.
كل دولة تريد أن تستخدم نفوذها على الوضع الفلسطيني من أجل تحقيق الصفقات الخاصة لبعض هذه الدول مع الولايات المتحدة. وسياسة كهذه مدمرة لحماية حق الفلسطينيين وتحسين الوضع في الشرق الأوسط. ولهذا السبب لا نستطيع أن ننتظر تحسن الأوضاع الداخلية بين الفلسطينيين في الوقت القريب.
- ترويتسكايا: ما هي مصلحة مصر والأردن، على سبيل المثال ما هي مصلحتهما في الحفاظ على الخلافات بين الفلسطينيين؟
- حواتمة: تعرف كل من مصر والأردن أن غياب حل للمشكلة الفلسطينية سيؤدي إلى فقدان الأمن والاستقرار فيهما، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. خصوصا إذا أخذنا بالحسبان حقيقة أن الإخوان المسلمين قوة سياسية نافذة ومؤثرة في كل من مصر والأردن، لهذا هم يريدون أن يتخذوا قرارات سياسية سريعة شبيهة بتلك التي أدت إلى إنهاء النزاع بين هذه الدول وإسرائيل.
- ترويتسكايا: ما هو الدور الذي بوسع روسيا لعبه في هذا الوقت العصيب في الشرق الأوسط؟
- حواتمة: نحن نناشد روسيا بأن تلعب دورا أكثر ثقلا وتأثيرا في شؤون الشرق الأوسط.
لدى روسيا علاقات تاريخية مع دول الشرق الأوسط، ومصالح مشتركة. روسيا هي عضو دائم في مجلس الأمن، وتدخل ضمن قائمة الدول الكبرى في العالم، إضافة إلى أنها عضو في "الجنة الرباعية" لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، اللجنة التي وضعت "خارطة الطريق" لتسوية هذا النزاع.
لهذه الأسباب تبدو روسيا قادرة على لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، من الذي تلعبه حاليا، وأن تبني علاقات مع كل القوى الفلسطينية ولاسيما مع القوى القومية الديمقراطية. إضافة إلى ذلك فبوسع موسكو أن تساهم في استعادة الوحدة الفلسطينية نظرا لعلاقاتها الجيدة مع كل الأطراف في فلسطين.
- ترويتسكايا: كيف تقيمون اقتراح القيادة الروسية بعقد مؤتمر للسلام في موسكو، لتسوية النزاع في الشرق الأوسط؟
- حواتمة: لقد رحبنا بدعوة روسيا لعقد مؤتمر دولي جديد للسلام في موسكو، الأمر الذي تم الاتفاق عليه في أنابوليس.
مناقشة الصراع في الشرق الأوسط لم تنته بتنظيم الأميركيين لمؤتمر أنابوليس خريف العام الماضي، نظرا لأنه حتى الآن لم يتم التوصل إلى أي تقدم في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
من هنا فإن فكرة عقد مؤتمر دولي في موسكو هي فكرة صحيحة وضرورية جدا، وقد تعطي أثرا في حال تمت دراسة وتقديم خطوات جديدة للتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط. مع العلم أنه يبدو واضحا الآن أن حكومة أولمرت والإدارة الأميركية يسعيان إلى عدم السماح للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو.
إن مؤتمر كهذا في موسكو من شأنه أن يفتح الأبواب أمام عودة المفاوضات بين سورية وإسرائيل، التي توقفت عام 2000، وهذا ما سيساهم في تحريك حل أزمة الشرق الأوسط بشكل عام.
إضافة إلى كل ما سبق فإن عقد مؤتمر دولي للسلام في موسكو سيساهم في صياغة قرارات من شأنها تحريك عملية السلام نحو الأمام، بشرط أن تراقب "اللجنة الرباعية" تنفيذ الأطراف لما تم الاتفاق عليه.
إن مؤتمرا من هذا النوع من الممكن أن يكون دوريا وينعقد مرة كل ثلاث أو أربعة أشهر.